يوم غفران حيال اوسلو

بقلم: نداف هعتسني
الان فقط في المجال الحلو لعيد العريشة، نبدأ بالانتعاش من هجوم حرب يوم الغفران الذي يعصف بنا في كل سنة، وهذا العام كان مصمما على نحو خاص. هذا الهجوم، الذي يقع بدورية ثابتة يبين لنا ما هي الايام الفظيعة تلك أيام الاحتفال بالعصف في حرب 1973. وها هو، في تقارب زمني عجيب، في 13 ايلول/سبتمبر، في السنة العشرين لتقصير موشي دايان وغولدا مئير، اعيد لنا تقصير فتاك بقدر لا يقل ومحمل بالمصيبة بلا قياس اتفاق اوسلو. غير أن حول تقصير اوسلو يكاد يكون هناك صمت. بعض الصحافيين يتجرأون على ان يطرحوا من على صفحاتهم الهزلة مقالات منضبطة العقال تنديدا بالمصيبة. ولكن بالمقابل، المسؤولون، المهملون والمغرضون، يواظبون على العزف على الثمار الفجة.
والاخطر من هذا هو أن المقصرين الرئيسيين، بقيادة شمعون بيرس، هم ضيوف محبوبون ومفضلون في ساحاتنا العامة. وحتى اليوم لم يجرَ معهم حساب لم تتشكل لجنة تحقيق رسمية، لم يطالبوا بتحمل المسؤولية، لم ينبذوا ولم يرفضوا من الحياة العامة، بل العكس. لشدة وقاحتهم ووقاحة مؤيديهم يتمسكون بشظايا النظرية المسيحانية خاصتهم، يتهمون الاخرين ويتجرأون على الوعظ ما الذي ينبغي عمله اليوم، وفقا للمفهوم الاشوه لذاك الزمن. وهكذا يعظمون خطأهم الاجرامي ويوقعون علينا مصيبة مستمرة.
الزعيريون، الديانون والغولداويون لاوسلو، ومعهم كل المراسلين البروفيسوريين والضباط الكبار الذين كانوا شركاء في فرض المفهوم الفكري السائد المتمثل بالشرق الاوسط الجديد والشريك الفلسطيني، يواصلون قيادة مصيرنا اليوم ايضا، وكأنهم لم يفشلوا. وعمليا تعاظم التقصير ومصيبة حرب يوم الغفران اصبحت جزءا موجها من ظاهرة كبت تقصير اوسلو في الوعي العام. ومن دون الاستخفاف بافعال دايان غولدا والاستخبارات في 1973، فان الاحياء والتوسع في النبش فيها على مدى كل هذه السنوات الطويلة، يجريان غير مرة بنية سيئة ومبيتة. أولا وقبل كل شيء من أجل الادعاء بان ‘الاحتلال’ مذنب في كل شيء. وان ثمار تحرير بلاد اسرائيل في 1967 هي المسؤولة عن مرض الغرور، عبادة الجنرالات وعدم الاكتراث في 1973. والى جانب ذلك طمس فضيحة مصيبة اوسلو الذي له ذات الهدف من الاتجاه المعاكس اي، طمس انهيار مفهوم تقسيم البلاد واحتمالية السلام مع العالم العربي. كبت الوعي، في محاولة بعيدة الاثر جرت منذ 1973 وأثبتت ضلال ذاك المفهوم.
من المجدي الانتباه كم من الكتب، البحوث، التقارير، القصائد ورشات العمل وامثالها جرت بالنسبة لتقصير حرب 1973 مقابل تلك التي جرت بالنسبة لمصيبة مفهوم اوسلو. اين المحللون، الشعراء، وكُتّاب النثر عن اوسلو. معظمهم إن لم يكونوا كلهم، كانوا الطبق الفضي الذي سمح بالمصيبة، منذ 1993. بعضهم يصمتون اليوم، اما الوقحون فلا يترددون في التلوي والاعتذار والدفاع عن الفعلة.
هكذا فان مصيبتنا تكمن في الانشغال الزائد في تقصير 1973 والتنكر لتقصير 1993. الخطاب الجماهيري مشوه، عالم المفاهيم الجماعية أكثر تشوها، الوعي الوطني مسمم.
كل هذا يتطلب اصلاحا بروح الايام الفظيعة، بما في ذلك الاعراب عن الندم وطلب المغفرة. وطالما لم تتشكل لجنة تحقيق رسمية، تفحص أعمال العرابة الاولى للمصيبة من بيرس وحتى بيلين، من يعقوب بيري وحتى أمنون ابرموفيتش، لن يكون لنا صلاح. إذ ان التقصير اياه يواصل القضم في داخلنا. وهو قائم في سياسة بنيامين نتنياهو، الذي يقدس وجود السلطة والدولة الفلسطينية، وهو موجود في سلوك وسائل الاعلام الرئيسة وفي الخطاب الاكاديمي السائد. هو مصيبة.