روحاني التركي: صفر مشكلات مع الجيران

بقلم: تسفي برئيل
‘يستطيع الجميع في ايران الاتصال بمحطات الاقمار الصناعية، ويمكن أن ترى أطباق التقاط للبث على الأسطح في كل قرية’، قال الرئيس الايراني حسن روحاني لمستمعيه في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك. بعد ذلك بأيام قليلة نشرت وكالة الأنباء الايرانية صورا ملونة ظهرت فيها مدرعات وآلة ضغط حمراء جديدة تدوس عشرات الأطباق الصناعية التي حُصدت عن الأسطح وتم القضاء عليها على مرأى من مجموعة ضباط رسميين راقبوا العملية الثقافية المهمة هذه.
لا يسمح القانون في ايران بتركيب أطباق اقمار صناعية، وبين آن وآخر يُصاب جهاز الثقافة بنشاط زائد ويرسل عامليه للقضاء على ‘المصدر الذي يلوث الثقافة الايرانية ويُدخل الفساد الغربي الى البيوت’، كما يرد في البيان الذي يصاحب التدمير. وتكون هذه في الأكثر عملية رمزية تضر ببضع عشرات البيوت أو بمئات في حالات شاذة وترمي الى إخافة المواطنين كي يُنزلوا الاطباق بأنفسهم. لكن المواطنين يستمرون في تركيب اطباق والاتصال ببث الاقمار الصناعية مما يُسبب امتعاض القيادة الدينية. ويبدو أن طالبي السوء لروحاني قد اختاروا وقت العملية الاخيرة كي يُبردوا ريح المصالحة التي بدأت تهب بين ايران والولايات المتحدة.
يعرف روحاني جيدا خصومه. لكن منتقديه سيضطرون ما بقي أكثر مجلس النواب يقف وراءه والزعيم الأعلى علي خامنئي يدعم حملته الدبلوماسية برغم تنبيهاته التي قال فيها إن ‘بعض الاعمال التي قام بها روحاني غير مرغوب فيها’، سيضطرون الى الاكتفاء بالكتابة في صحفهم وبخطب في المؤتمرات.
في الاسبوع الماضي ‘تجرأ’ الرئيس السابق علي أكبر رفسنجاني، وهو المرشد السياسي لروحاني، على طلب وقف استعمال عبارة ‘الموت لامريكا’ التي تصدر عن متظاهرين مجندين في كل فرصة. ‘رفض الزعيم الخميني استعمال هذه الشعارات وليس هناك ما يدعو الى الاستمرار في إسماعها’، بيّن رفسنجاني الذي وجه كلامه في الأساس الى خامنئي وقادة الباسيج وهي منظمة المتطوعين التي تخضع لامرة حرس الثورة، والتي تبادر وتشارك في مظاهرات يُسمع فيها هذا الشعار. وفي الوقت نفسه ما زال قادة في حرس الثورة وفي الجيش يُبينون لمرؤوسيهم أن عبارة ‘المرونة البطولية’ التي صكها خامنئي تعني تغيير التكتيك لا الاستراتيجية. بل إن مساعد رئيس القسم السياسي في سلاح البحرية الايراني وصف الظروف الحالية بأنها تشبه تلك التي كانت سائدة وقت التوقيع على اتفاق الحُديبية الذي أفضى الى فتح النبي محمد لمكة.
وقال روحاني إن ‘التفاوض في تطوير التقنية الذرية وفي تخصيب اليورانيوم غير مأخوذ في الحسبان لكن يمكن التباحث في التفاصيل’، والتفاصيل لا المبادىء هي التي تعني الغرب. وهنا يمكن أن يوجد الفرق الجوهري بين روحاني وسلفه. فروحاني لا يُبين في هذه المرحلة ما هي التقنية التي تريد ايران الاستمرار في تطويرها. وهو يتحدث عن المصالحة مع الولايات المتحدة بأنها مبدأ ينبغي تحقيقه: ‘قلت ايضا للرئيس اوباما في محادثتنا ان الصراع الذي استمر عشرات السنين لا يمكن إنهاؤه بعشرة أيام’، لكن احتمال إنهائه غير مرفوض. ونقول بالمناسبة إنه تحدث في ايران عن ‘صراع استمر ثماني سنوات أو عشرا’، مشيرا اشارة خفية الى ولاية سلفه احمدي نجاد.
‘لا يتوقع أحد أن يُحل في عشرة أيام الاختلاف التاريخي والذري والاقتصادي بين ايران والولايات المتحدة. لكن روحاني بخلاف احمدي نجاد يعرض رؤية جديدة بعيدة الأمد لا في العلاقات بالولايات المتحدة فقط. وتحدث في لقاء مع صحافيين بعد جلسة الحكومة في الاسبوع الماضي عن نجاحاته في السياسة الخارجية وعرض أربع وقائع مهمة وهي: مراسم التنصيب التي حضرها مندوبون من 55 دولة، كان 11 منهم في منصب رؤساء دول؛ والمؤتمر الدولي الذي عُقد في شنغهاي والذي ‘تحدث فيه كثير من الحاضرين معي عن مستقبل العلاقات بين ايران ودولهم’؛ ولقاء مجموعة الخمس + واحدة حيث ‘عبر وزراء الخارجية عن تفهم ما لموقف ايران’؛ والعرض في الجمعية العمومية بالطبع. ويبدو أن روحاني يتبنى السياسة الخارجية التركية وهي ‘صفر مشكلات مع الجيران’، ويجب فقط أن نأمل ألا تتحطم سياسة ايران الجديدة كسياسة تركيا الخارجية.
‘لا تطمح ايران الى تسوية الامور مع دول اجنبية فقط. ففي الداخل ينتظرون التغييرات الاقتصادية وتحسينا مهما لحقوق الانسان، فهناك قنبلة موقوتة غير ذرية أخذت تنشأ في مؤسسات الدراسات العليا في ايران، حيث يدرس في هذا العام أكثر من 4.3 مليون طالب وطالبة. وعلى حسب معطيات الصندوق الايراني لرعاية النخب الذي أُنشىء في سنة 2005، سُجل في السنة الماضية أكثر من 13 ألف عالم ايراني جديد، لكن نحوا من 712 خريجا متميزا فازوا بجوائز في الاولمبيادات العلمية ونحوا من 350 من الطلاب المتفوقين في الجامعات غادروا الدولة. إن هرب العقول واحدة من الضربات التي أصابت العلم الايراني. أما المشكلة الاخرى فهي الاضرار باماكن العمل لملايين طلاب الجامعات الذين أنهوا دراستهم، بسبب العقوبات.
إن العلاقة بين السياسة الخارجية والصعوبات في الداخل هي علاقة طردية. فاذا لم ينجح روحاني في التوصل الى الغاء العقوبات فسيصبح كرة لعب خصومه وتصبح ولايته انعطافة في ايران. وقد يجد روحاني الذي يعمل الآن دون أيام رحمة، قد يجد نفسه في وضع الرئيس خاتمي الذي بقي مع شعارات جميلة لكن بلا تأثير. وعلى نحو تناقضي فان جهود مصالحة الغرب تسجنه في معادلة ليس فيها منفذ للهرب. وهو يملك بين أربع سنوات الى ثمانٍ كي ينقذ ايران، لكن الفشل يمكن أن يأتي قبل ذلك بكثير.