البازار الفارسي ‘كل شيء مفتوح

بقلم: مناحيم نافوت

من نظرية العمل لدينا ومن تجربتنا تعلمنا قاعدة اولى في العمل الاستخباري، السياسي بل والتجاري، ان نقرأ على نحو سليم الطرف الاخر، تفكيره وسياقات اتخاذه لقراراته. الدرس الاليم بالنسبة لنا كان اننا لم نعرف كيف نقرأ على نحو سليم نوايا السادات، وهكذا جاءت علينا حرب يوم الغفران.

وكمن عاش وعمل في ايران، ويتابع ما يجري فيها حتى اليوم، فاني أعرف جيدا تعبير ‘البازار الايراني’. فعقيدة تاجر البازار تختلف عن الثقافة التجارية المعروفة لنا. فتاجر السجاد الذي يلتقط بريق عينيك حين تقف امام سجادة جميلة، يحثك على ان تأخذ السجادة’ الى بيتك لاي زمن ترغب فيه، والا تدفع الا بعد أن تقرر انك ستشتريها. وتبدأ المفاوضات حين يكون توقيت القرار في الصفقة مناسبا جدا. ‘باردا يا باس باردا’ كل شيء مفتوح. ولكن كل شيء أيضا منوط بجدية المعني وبمدى الاهتمام الذي لديه لتحقيق الصفقة، والى جانب كل هذا بمعاملة من الثقة والاحترام المتبادل. الايرانيون حساسون جدا لكرامتهم، ولا سيما لما ينعكس ككرامة في العلاقات بين السياسيين والدول.

المشروع النووي الايراني لم يولد مع عودة خميني الى ايران في 1979. فقد بدأ الشاه بتطوير القدرة النووية. فلايران مواجهة تاريخية مع دول الخليج، بما في ذلك النزاع المستمر مع العراق، والتطلع الايراني للسيطرة على إمارة النفط في البحرين. ويأتي المشروع النووي ليكون جزءا من خطوة اقليمية. وليس غير وزير الخارجية الامريكي هنري كيسنجر من حث الشاه على اقامة مفاعلات نووية. فعندما صعد خميني الى الحكم ووقعت قطيعة في العلاقات مع الامريكيين، سارع السوفييت الى اشغال مكانهم واقامة المفاعل في بوشهر.

مع صعود خميني الى الحكم، أوقف العمل في المشروع بقوله ان هذا ليس ‘من الله’ ليس بطريقة طبيعية. ولكن بعد حرب العراق ـ ايران ومشاهدها، استؤنف العمل بقوة اكبر. فقد اضيف الى الاعتبارات الاستراتيجية الاعتبار الديني ـ ايران الشيعية، غير العربية، تكافح في سبيل مكانتها ضد الدول العربية السنية.

ولكن العقوبات الاقتصادية فعلت فعلها، فقد أجبرت خامنئي، الزعيم الاعلى، على السماح بانتخاب روحاني وتوجيهه لان يفعل كل ما يلزم لاجل الغاء العقوبات، ففتح البازار الايراني: يوجد بائع، ويوجد شارٍ.

الشاري هو الرئيس اوباما. اوباما فعل الكثير كي يوفر للايرانيين حقنة الكرامة التي تهمهم جدا. الكلمات، بما فيها التهنئة بالفارسية كانت مهمة. البائع الايراني أخذ الانطباع ليس فقط من الكلمات، بل ومن البريق في عيني الشاري. هذه هي طبيعة البازار.

يدخل الايرانيون الى المفاوضات حين يكون للخط الموجه لروحاني معارضة من الداخل فللحرس الثوري مصلحة اقتصادية في الابقاء على الوضع الراهن وقوة كبح لا بأس بها. وهذه المقاومة بالذات تزيد قدرة المناورة لدى روحاني في المفاوضات التي توشك على البدء. افهموا وضعنا، سيلمح مندوبه للامريكيين. الحرس الثوري يجعل من الصعب علينا تقديم التنازلات.

الرئيس اوباما معني باتفاق، ينبغي لاسرائيل ويمكنها أن تساعده. الاتفاق لا يتعارض بالضرورة مع مصالحنا، بدلا من وصف روحاني كذئب في جلد حمل ـ وهو التعبير الذي يمس بكرامة الايرانيين ـ كان من الافضل مرافقة التغيير بروح ايجابية وبناءة. وبدلا من الحديث عن ذئب في جلد حمل، رسم رؤية ‘سكن الذئب مع الحمل’؛ بدلا من الحديث عن الكارثة، رؤية نهضة. ‘لقد أثبتنا أننا نعرف كيف نحول التكنولوجيا العسكرية التي طورناها الى تكنولوجيا مدنية بناءة ومنتجة. ذات القدرة يحتاج زعماؤنا الى أن يوجهوها نحو المفاوضات مع ايران. يمكن لايران ان تكون مشروعهم الاستثماري. فالايرانيون يعرفون ان استخدام النووي من شأنه أن يؤدي الى دمار متبادل، وقد كان هذا ايضا الاساس للانفراج بين القوى العظمى.

حرره: 
م . ع