نتنياهو 2013: طبعة الـ 1995

بقلم: شلومو تسيزنا

سئل موظف رفيع المستوى في وزارة الدفاع الأميركية كيف يحدد السياسة في موضوع ما، فأجاب بأنه يتجه الى خطب الرئيس المعلنة. "هناك تُعرض السياسة الحقيقية"، أجاب. ومنح موظف رفيع المستوى في ديوان رئيس الوزراء جوابا مشابها في هذا الأسبوع.

يتوقع أن يخطب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الأسبوع القريب ثلاث مرات. وستُخطب الخطب الثلاث في الكنيست. في يوم الاثنين في افتتاح الجلسة الشتوية للكنيست، وبعد ذلك في خلال الأسبوع في مراسم تذكر مرور أربعين سنة على حرب يوم الغفران في الكنيست، وفي الذكرى السنوية لمقتل رئيس الوزراء اسحق رابين.
عرض في هذا الأسبوع في جامعة بار ايلان آخر ما يؤمن به في الشأن الفلسطيني. فقد عاد نتنياهو الى المنصة نفسها بعد خطبة بار ايلان التي أعلن فيها بأنه يؤيد "دولتين للشعبين" وحل إنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح بتسوية دائمة، بعد اربع سنين.
يجري الآن تفاوض سري بين تسيبي ليفني وصائب عريقات برعاية أميركية من مارتن اينديك. وقد بيّن الرئيس اوباما ووزير الخارجية كيري أيضا أن التباحث بين الطرفين هو في جميع الموضوعات الجوهرية – وسيتقرر حتى أيار 2014 هل سيوجد اتفاق. وفي الخطبة الأخيرة حدد نتنياهو خطوطه الحمراء فقال: "لا لعودة اللاجئين ولا لحقوق قومية لعرب إسرائيل، ونعم لدولة فلسطينية منزوعة السلاح محاطة بقوات الجيش الإسرائيلي فقط".
لا يؤمن أحد في الجانب الإسرائيلي بأن أبو مازن أو زعيما فلسطينيا آخر مستعد الآن للتوقيع على اتفاق يقوم على الشروط التي اشترطها نتنياهو، لكن رئيس الوزراء مُصر. ويعرف الأميركيون ذلك، وقد قال نتنياهو ذلك بصراحة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي التقى معه في الشهر الأخير في عدة محادثات.
ذكر نتنياهو في خطبة بار ايلان بصيغة 2013 كتاب المؤرخ الأميركي فيل دورنت "دروس التاريخ". وقال نتنياهو إنه ينبغي التعلم من التاريخ وإن أكثر الأحداث تأثيرا في التاريخ في رأيه في القرن الماضي الحرب العالمية الثانية والمحرقة. فهناك من وجهة نظره يمكن أن ندرس سلوك القوى الكبرى، والشيطان البشري وحيل الخداع وانجذاب ديمقراطيات مستخذية لقوى مخادعة.
إن نتنياهو لا يضعف فهو يذكر في كل فرصة المحرقة والدرس الذي ينبغي تعلمه منها في أيامنا. وتنبسط آثار ذلك من ايران الى الفلسطينيين وهذا ما كان أيضا في هذا الأسبوع في لقاء نتنياهو مع رئيس وزراء اليونان، فقد أثنى نتنياهو على نظيره اليوناني لمقاومة حكومته لخلايا نازية جديدة في الدولة، لكنه ربط ذلك فورا بقصة جزيرة زكينتوس. في أثناء الحرب العالمية الثانية طلب القادة النازيون قائمة فيها نحو من 250 ساكنا يهوديا من زكينتوس، وقد طلبوا ذلك من رئيس المجلس البلدي ومن كردينال زكينتوس. فجاء هؤلاء القائد النازي وقالوا إليك القائمة، وكان في القائمة اسمان: اسم رئيس المجلس البلدي واسم الكردينال. وخرج كل يهود الجزيرة دون أن يُمسوا. "كان ذلك إظهارا للشجاعة من الطراز الأول"، قال نتنياهو لرئيس الوزراء اليوناني. إن صلة الوصل بين الخطبتين اللتين خطبهما نتنياهو في نيويورك عن ايران وفي بار ايلان عن الفلسطينيين هي تناول سؤال "ما الذي يريدونه حقا وما الذي نحن مستعدون لتحمله". إن نتنياهو مستعد لكل تحادث يفضي الى سلام حقيقي، وقد بقي شعاره "اذا أعطوا فسيأخذون واذا لم يعطوا فلن يأخذوا". وربط نتنياهو بين إيران والفلسطينيين. وهو لا يؤمن بأن تسوية مع الفلسطينيين ستفضي الى علاج دولي أفضل لإيران، لكنه ربط بين التأثير في المستقبل الذي سيكون لكل اتفاق يوقع عليه سواء مع إيران أو مع الفلسطينيين.
يجب أن يوقف اتفاق القوى الكبرى مع إيران بحسب ما يرى نتنياهو، تخصيب اليورانيوم وإلا فإنهم في طهران سيتقدمون ببرنامجهم للسيطرة على العالم في حين تكون الرغبة الثانية هي القضاء على إسرائيل. وإيران اليوم تمد "حزب الله" و"حماس"، ويمكن أن تتحول "يهودا والسامرة" بتسوية مع أبو مازن الى قاعدة إيرانية أمامية، وهكذا فإن التهديد الإيراني كما يرى نتنياهو ليس هو فقط من أخطاره غير التقليدية بل من أخطاره التقليدية أيضا كبناء قاعدة صواريخ أخرى حول إسرائيل.

دون قوى أجنبية
يعارض نتنياهو دولة ذات شعبين ولهذا يؤيد إنشاء دولة فلسطينية. ومع ذلك فإنه غير مستعد للجلاء عن أي ارض سيدخلها الإيرانيون. فما الحل؟ إنه دولة منزوعة السلاح بلا جيش وترتيبات أمنية بعيدة الأمد في غور الأردن في حين يسيطر الجيش الإسرائيلي على طول الحدود والمعابر. ويعارض نتنياهو وجود قوات أجنبية في المنطقة حتى لو كانت قوات اميركية، وهو يرى أنها ستصبح مستهدفة لإرهاب متفوق وستغادر آخر الأمر.
قال نتنياهو في هذا الأسبوع إنه يجب لإنهاء الصراع أن نفهم ما هو جذر الصراع. وهو يشير الى الفرق بين أحداث شغب وجهت على يهود وبين هجوم على يهود صهاينة جاؤوا الى إسرائيل واستوطنوا بيت المهاجرين في يافا في سنة 1921 في أحداث شغب تلك السنة. وقد وصل جد نتنياهو الى يافا الى ذلك البيت قبل ذلك بسنة ومثله كثيرون آخرون.
إن ذلك الهجوم ومثله هجمات اخرى في 1929 بعد ذلك بـ 8 سنوات، وفي التمرد العربي في السنوات 1936 – 1939 وخطة التقسيم في 1947 – تمت عن معارضة للعودة الى صهيون. في 1947 أُثير اقتراح دولتين عربية ويهودية فوافق اليهود ورفض العرب. وتفسير نتنياهو لذلك أنهم "لم يوافقوا لأن الموضوع لم يكن آنذاك، وأقول لكم إنه ليس كذلك اليوم ايضا، مسألة الدولة الفلسطينية بل كان الموضوع وما زال لأسفي هو الدولة اليهودية. إن الحقيقة موجودة في هجوم دائم من قبل أعدائنا وخصومنا فهم يحاولون أن يضعفوا صلتنا القديمة بأرض اسرائيل والحقائق الأساسية للصراع بيننا وبين الفلسطينيين".
وفي خلال ذلك يتحادث فريقا التفاوض. إن توجيه نتنياهو الى التوصل لتسوية دائمة لا الى تسوية مرحلية، لكن يمكن هنا ايضا أن يكونوا خلاقين، فأحد الإمكانات هو التوصل الى تسوية دائمة على أن يكون تطبيقها في مراحل.
في سنة 1995 أثار نتنياهو في خطبة في مركز الليكود فكرة "دولة منقوصة" لتكون إطارا لدولة فلسطينية، وهي دولة منزوعة السلاح لا تسيطر على حدود إسرائيل ولا تحول المناطق الى قواعد إرهاب إيرانية. دولة ليس لإسرائيل سيطرة على سكانها. ولم تتغير هذه الخطة بالفعل.
إن خطوط نتنياهو الحمراء في تلك الخطة في 1995 تشبه الخطوط الحمراء التي عرضها هذا الأسبوع شبها كبيرا. لكن الفلسطينيين ايضا عندهم خطوط حمراء، فهم يوافقون على الورق على الاكتفاء بـ 22 في المئة من مجموع مساحة فلسطين التاريخية، أي خطوط 1967. فهل يمكن أن توجد تسوية؟ لا أحد يعلم ولا هو مستعد للرهان.

إسرائيل اليوم