المؤتمر السنوي الثاني لمراكز الأبحاث العربية: قضية فلسطين ومستقبل المشروع الوطني

ليس هنالك من شك في أن احتلال فلسطين وقيام إسرائيل هما عقدة التاريخ العربي الحديث. وهما جرحٌ ما
زال مفتوحاً يلتهب، ولا يفتأ يزود الساحة العربية بجميع أنواع الذرائع للأيديولوجية العدمية والرافضة من جهة، وللاستسلام وما يرا فقه من مظاهر سياسية وثقافية واقتصادية وأخلاقية من جهة أخرى. ولا يمكن فهم هذا الوعي الملتهب من دون نكبة فلسطين ومكانها في الوعي العربي. وهي على كل حال أهم تجسيد للتشظي والتنافر وتعويق الوحدة العربية في المشرق العربي، وبين المشرق والمغرب.
ومع ذلك، لا يمكن لأي مراقب إلا ملاحظة أن شعوراً بالخوف بأن أمراً ما فُقد في علاقة النظام الرسمي العربي بفلسطين، قد ساد في الفترة التي سبقت الثورات العربية. وقد اُختبر هذا الشعور في العدوان الاسرائيلي على لبنان في تموز/يوليو 2006، وفي العدوان على غزة في شتاء 2008 ـ2009. حينها كان الانقسام بين سياسات الدول العربية هو سيد الموقف، فمن الواضح أنَّ مسألة التوازن الاستراتيجي بين العرب واسرائيل
قد تراجعت، بل وأصبحت عبئاً على أغلب الدول العربية التي ترغب في التخلص منه، حتى وصل الأمر إلى أن تجد إسرائيل موطئ قدم لها في دول عربية، من دون أن يستشعر النظام الإقليمي العربي أي خطر.
وفي الحقيقة ، يصعب على أي باحث في حقبة الربيع العربي ألا يجد علاقة مهمة بين أسباب اندلاع الثورات العربية وبين موقف النظام العربي الرسمي من القضية الفلسطينية. ولا شك بأن أي محلل لا بد أن يقف بشكل معمق أمام تراكم الشعور بالمهانة والعجز لدى المواطن العربي وهو يشاهد أنظمته التي حرمته من الحرية والعدالة الاجتماعية تتجاهل الأساس المتبقي لمشروعيتها، والتي طالما اتخذته ذريعة لبقائها في الحكم.
لقد استيقظ الوعي السياسي لجيل الثورة في البلدان العربية على وقع انتفاضة الأقصى، وخاض منظمو الاحتجاجات الأولى التي أطاحت أنظمة عربية ، وتوشك على الاطاحة بأخرى، أولى تجاربهم الاحتجاجية على وقع اجتياح الدبابات الاسرائيلية المدن والقرى الفلسطينية.
وبقدر ما تجددت الآمال في حقب الربيع العربي، فانها تعقدت بعد أن أُجبرت الأنظمة العربية على الانشغال بأوضاعها الداخلية . وهناك من يرى أنَّ مركزية الصراع العربي ـ الاسرائيلي في الرأي العام العربي تراجعت لصالح مركزيات أخرى مثل العدالة الاجتماعية والديموقراطية، وخاصة بعد أن أدت الثورة السورية الى تغيير خريطة التحالفات القديمة، وتغيير صورة ما كان يصنف سابقا ب "محور الممانعة" وتحالفاته. ويرى هؤلاء ان صعود الاسلام السياسي الى سدة الحكم سوف يسهل مسألة التسوية السياسية مع اسرائيل، لأن هذه النخب هي الأقدر على مخاطبة الشعوب واقناعها عبر شعبوية الخطاب الديني.
ومن جهة أخرى، ثم من يرى ـ على المدى الطويل ومع تبلور الراي العام العربي ـ ان النخب العربية الحاكمة الجديدة سوف تضطر في سبيل ارضاء شعوبها ان تتخذ موقفا اكثر حسنا من اسرائيل؛ لأن هذه النخب هي الأقدر على مخاطبة الشعوب واقناعها عبر شعبوية الخطاب الديني.
وثمة من يرى ـ على المدى الطويل ومع تبلور الراي العام العربي ـ ان النخب العربية الحاكمة الجدية سوف تضطر في سبيل ارضاء شعوبها ان تتخذ موقفا اكثر حسنا من اسرائيل، فالممارسة الديموقراطية اذا ما ترسخت سوف تدفع النخب المتنافسة الى المزاودة على بعضها في سبيل القضية الفلسطينية، لأن فلسطين تقع في قلب المخيال العربي والديني (..)
وفي ظل ازمة انسداد الآفاق الفلسطينية وانشغال العرب بأحوالهم الداخلية، تجدد القلق مرة اخرى من خروج قضايا محورية مثل القدس والارض واللاجئين من دائرة المفكر فيه عربياً وفلسطينياً وهي مرتكزات المشروع الوطني الفلسطيني.
تأسيساً على كل ما سبق، تبرز الحاجة الى دراسة التحولات والمتغيرات والظروف والتحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني وتقويمها، سواء كان ذلك داخل حدود فلسطين التاريخية ام خارجها، كما تبرز اهمية تقويم موقع القضية الفلسطينية في الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وبخاصة مع حلول الربيع العربي واندلاع الثورات العربية. والمؤتمر يحاول قراءة هذه التحولات ويمكنها من خلال محاور وجلسات المؤتمر الذي سيعقد في الدوحة ـ قصر في 7 و9 كانون الأول المقبل.

حرره: 
م.م