حكومة بلا كرامة..

بقلم: إسرائيل هرئيل

يستخف الناس بمن يُظهر عدم الاحترام لنفسه. وهذا الشعور النفسي الأساسي يصح على العلاقات بين الدول أيضا. إن اسرائيل في سلوكها الاستخذائي (ايضا) بشأن "المخربين" هي اليوم دولة مُستخف بها. إن شيئا ما غير حسن قد حدث لجهاز تحصينها القيمي، ولذلك أُضر بقدرتها على مقاومة أخف الضغوط. سمعنا حجة أن الافراج عن "المخربين" "له أهمية استراتيجية في الأمد البعيد". فماذا عن الاضرار القيمية – الداخلية والسياسية – الخارجية التي يُحدثها الآن الانتقاص من كرامة الدولة؟.

إن إسرائيل تستسلم منذ ثلاثة عقود وأكثر للابتزاز وتُفرج عن آلاف "المخربين". فأية انجازات ذات "أهمية استراتيجية" كان لتلك الاستسلامات؟ هل قتل "المخربين" المفرج عنهم لليهود انجاز استراتيجي؟ وهل تقوية الباعث – نتاج الافراج الدوري – على تنفيذ اعمال "ارهابية" هو انجاز استراتيجي؟ وهل قرّبت الافراجات ولو قيد أنملة الرغبة في السلام؟ وتسليم الفلسطينيين بوجود اسرائيل؟ وهل كان الافراج عن يوسكا غروف (في صفقة جبريل التي بدأت سلسلة الاستسلامات) وجلعاد شاليت "ذا أهمية استراتيجية"؟.
اجل وُجد انجاز استراتيجي – بل استراتيجي كبير – لكنه كله للمنظمات "الارهابية".

رغم ما جرى ضدنا في المحرقة و"حرب التحرير" والثبات الدائم المتصل في سنوات الحصار والعسر بعد ذلك – كانت شخصيتنا الجماعية في أكثر الفترات مستقرة ومتفائلة، بل كانت الغريزة الأساسية متحدية تقاوم كل محاولة لأن تُفرض علينا سياسة تناقض "روح الشعب".

وتجسدت ذروة تلك الروح بعملية "عنتيبة". فقد هتف العالم لعملية التخليص الجريئة التي لم يسبق لها مثيل. في "عنتيبة"، كما كُتب في الغرب في ايام الجرأة تلك، حاربت اسرائيل العالم كله. وأصبحت "عنتيبة" ترمز الى الروح الاسرائيلية، أي الى الثبات على المبادئ والجرأة في اتخاذ القرارات والعبقرية في التنفيذ.
ولذلك كانت كرامة اسرائيل وقدرتها على الردع في الذروة.

وأصبح الاتجاه عكسيا في السنوات الاخيرة، فالتخلي عن الكرامة القومية مقرون بالوهن وعدم القدرة على الثبات حتى في مجال المصالح الأكثر حيوية. فقد تحولنا من ذروة "عنتيبة" الى حضيض سجن عوفر.

يتابع الأميركيون تآكل قوة ثبات اسرائيل ويضغطون. وتستجيب اسرائيل ويفضي ذلك الى زيادة الضغط. فقد حان الوقت، ولو بزعم أن الافراج عن "المخربين" يناقض الاخلاق والقيم الاميركية (إن مختطفا اميركيا يتعفن منذ سنوات في كهف خفي في افغانستان لأن بلده يرفض الافراج عنه في مقابل "ارهابيين")، وأن ندوس الكوابح ونعلن قائلين: "إلى هنا". وبذلك فقط يمكن أن نخفف الضغوط وأن نمنع استسلامات مخزية اخرى.

إن الافراج الاخير عن "قتلة" – دون مقابل – يُبين كما قلنا آنفا الى أين تدهورت قوة الثبات الوطني.

إن اسرائيل مع كون اليمين خاصة في الحكم غير مستعدة للاستمرار في النضال عن قيمها. فكل شيء حاضر، إنها حكومة الحاضر.
وتُذكرنا حكومة نتنياهو في المستوى المبدئي بل حتى في خطابتها بحكومات "اوسلو".

فبعد فترة طويلة من الهدوء النسبي حدث في الاشهر الاخيرة زيادة حاجة في قتل الاسرائيليين ورمي الحجارة والزجاجات الحارقة.
والذرائع هي كما كانت في ايام "اوسلو" بالضبط: "لم يثبت أن يدا موجهة تُحرك العمليات".

وكأنه يهم عائلات القتلى أو الجرحى أكان منفذو العمليات اعضاء رسميين في "فتح" أو في "حماس" أم كانوا مجرد منفذين. وما زالت الحكومة تجري محادثات مع الفلسطينيين (وتفرج عن "مخربين" وهو شيء لم يكن حتى في وقت حكومة اوسلو!) "وكأنه لا يوجد "ارهاب"، وتحارب "الارهاب" وكأنه لا توجد محادثات". أُغلقت الدائرة.

قال هربرت هوفر، رئيس الولايات المتحدة الواحد والثلاثون: "حينما لا توجد كرامة في الحكومة تُسمم أخلاق الجمهور".

 

حرره: 
م.م