رابين الذي قُتل ثلاث مرات

بقلم: أوري مسغاف

”يصادف اليوم مرور 18 سنة على موت اسحق رابين. ومن المهم أن نتمسك بالتاريخ الغربي الذي يتصل الجهد لمحوه صلة وثيقة بالكلام الذي نكتبه هنا. أُطلقت النار على ظهر رابين ثلاث مرات، لكن تبين على مر السنين أنه قُتل ثلاث مرات ايضا. وقد عُرف في خريف ايامه بأنه انسان قوي. ويتبين بهذا المعدل أنه كانت له تسع أرواح.
قُتل رابين في المرة الاولى بعملية كلاسيكية من ارهاب منتحرين أصوليين. فقد أطلق عليه النار مغتال ايديولوجي هيّجه تحريض ساسة وكان مسلحا بفتاوى حاخامين من التيار الحريدي القومي، كي يُفسد المسار السياسي، وكان كل ما أُلقي عليه ليفعله أن يستغل عدم الاكتراث العام وأن يخترق دوائر حراسة ‘الشباك’. ولم تكن تلك مهمة غير ممكنة كما تبين.
وبدأ القتل الثاني بعد دفن رابين فورا. وقد قاده أولا دون أن يعلم وارث منصبه، فقد أسرع رئيس الوزراء المؤقت شمعون بيرس الى احتضان ومداعبة المعسكر السياسي الذي خرج القاتل منه والتوحد معه، ورسم الخط الموجه وهو أن الوحدة فوق كل شيء، والمصالحة وأن اسرائيل جميعا اصدقاء. لكن كان يجب أن يدفع شخص ما الثمن، وهو رابين بالطبع.
‘قُتل أول مرة بصفته زعيما سياسيا مختلفا فيه منطلقا بصورة واضحة الى الهدف الاستراتيجي الذي نصبه لنفسه، فقد كان ينوي الانسحاب من المناطق المحتلة واخلاء المستوطنات. ولا يمكن أن يحتضن البعض شخصية كهذه أو يتوحدوا حولها، فجعلوه رجل عائلة شكلياً وقد لقي حتفه في التاريخ الذي قُتل فيه. ورُفع تراثه الى خطوط الاجماع فهو البلماحي ورئيس هيئة الاركان في حرب الايام الستة ومُحب أنشودة الصداقة. بل إن الويسكي والسجائر كُنست جانبا وكذلك الشرفة في ميدان صهيون والحكم على المضطهِّد والفتاوى الشرعية.
وكان القتل الثالث نتاج السنوات الاخيرة. وهو في ظاهر الامر أكثر إدهاشا وأقل معقولية حتى من القتلين اللذين سبقاه، لكنه قد يكون في الحقيقة استمرارا طبيعيا ورتبة اخرى مطلوبة. ويقود هذا القتل ايضا اليمين المتطرف مع نشطائه ودعائييه بازاء صمت وعدم مبالاة من الأكثرية الصامتة المُخدرة. وفي هذه النسخة يُعرض رابين بأنه مجرم خالص. وتصنيفه هو أنه ‘مجرم اوسلو’ الذي جُر الى ‘هذيانات السلام’ لـ ‘اليسار الحالم’. وتتضمن السطور فرض عمل وهو الحمد لله لأننا تخلصنا من هذا العقاب.
هذا مسار يجري الآن حقا أمام أعيننا. ولاتمام العمل يُحتاج الى رِدة تاريخية لا الى ولاية رابين لرئاسة الوزراء فقط. يقول المنطق إن الحديث عن مخالف للقانون صاحب زلات ولهذا يُعرض رابين الشاب على أنه مجرم قصف اليهود المهاجرين في ‘ألتلينا’ وذبح القدّيسين المعذبين في مقر الايتسل. وليس رابين البالغ مهندس النصر في 1967 بل هو رئيس هيئة اركان فاشل انهار قُبيل الحرب الكبيرة. وهكذا يتبين باعادة كتابة متطرفة لتاريخ الدولة أن علامات طريق في حياته العامة (البلماح والايام الستة ورئاسة الوزراء) كانت ساحات جريمة في واقع الامر، وأن المقتول كان قاتلا في الحقيقة.
إن قلب الامور رأسا على عقب كاسح ومُجدٍ على مؤمنيه الوقحين المُهيّجين. يستطيع زعيم اليمين المتطرف نفتالي بينيت أن يُشبه الانتقاد السياسي الذي وُجه إليه بأنه ‘دعوة نتنياهو الى الهجوم في فترة اوسلو’، ولا ينهض أحد. فماذا عن الدعوة الى الهجوم على فترة اوسلو التي وجهت إلى رابين بقيادة نتنياهو. لكن حينما يسيطر في الجانب الآخر اليأس والتعب والفراغ يمكن أن تُقلب الامور رأسا على عقب.

حرره: 
م.م