لـكـل فـلـسـطـيـنـي حـسـاب مـفـتـوح مـع إسـرائـيـل

بقلم: عميره هاس

"يعلم" كل لابس بزة عسكرية كبير في الحاضر أو في الماضي، أن العملية الأخيرة، وما يبدو للجنود أنه محاولة العملية الأخيرة، ليس بداية انتفاضة ثالثة، وأن كل شيء يحدث بسبب المسيرة السياسية أو بسبب التحريض الفلسطيني أو ربما بسببهما معاً.
إن الاعتماد على أصحاب الرتب من العارفين ردة فعل شرقية اسرائيلية ثابتة وجزء من علاقات القوة والسيطرة بين الاسرائيليين ومن يخضعون لهم.
أحسن من قال إنه يوجد لـ 100 ألف فلسطيني حساب مفتوح مع الجيش الاسرائيلي، وأحدث بذلك انطباعاً بأنه يعلم ويفكر حقا، ولا يحسب فقط. لكن نقطة الانطلاق للحسابات مختلفة تماما: وهي أنه لا يوجد فلسطيني بلا حساب مفتوح مع دولة اسرائيل – أكان يعيش في مهجر مفروض عليه أو يعيش داخل حدود اسرائيل أو في قطاع غزة والضفة الغربية.
فلا يوجد فلسطيني ليس له تاريخ عائلي أو شخصي لظلم أوقعته وتوقعه اسرائيل به.
وسائل الاعلام الاسرائيلية لا تنشر التقارير عن كل المظالم التي تسببها اسرائيل في كل يوم – ولو بسبب عددها – وهذا لا يلغيها ولا يلغي الغضب الذي تُحدثه.
ولهذا يُظهر الحساب الصحيح أن حالات الهجوم الفلسطينية الفردية هي مجهرية بصورة نسبية.
وتدل قلتها على أن الانتقام اللحظي القاتل الذي لا بقاء له ليس خياراً من وجهة نظر الأغلبية.
ومع كل ذلك فان الهجمات القاتلة في الاشهر الاخيرة مقلقة.
فهي تشير الى إفلاس سياسي واجتماعي للقيادات والتنظيمات الفلسطينية، التي كفت عن أن تكون عنواناً وطنياً، وهي غير قادرة أيضا على وقف أمواج اليأس.
فأصبح الفلسطيني يشعر بأنه وحيد في مواجهة مهاجميه.
وما زالت مبادرات جديدة وقيادات اخرى في مهدها.
وفي هذا الوقت تتطور طرق الظلم الاسرائيلية. فالحديث يدور عن الغضب دون أن يُربط بالاحتلال، والتمييز الراسخ يشبه الحديث عن تلوث البيئة دون تطرق الى ملوثيها.
إن أي يهودي في العالم داس أخمص قدمه هذه الارض ولو مرة واحدة يتمتع بصورة آلية بحق دخول البلاد، وأن يجد فيها ملاذا من مشكلات اقتصادية (الارجنتين) أو سياسية (روسيا)، ويتنزه فيها ويستقر ويسكن ويعمل على جانبي الخط الاخضر.
وهذه حقوق يُسلب الفلسطينيون بعضها أو كلها، سواء أكانوا مواطني الدولة أم لا، وسواء أكانوا يعيشون في البلاد وأصل عائلاتهم من هنا أم خسروا ارضهم وممتلكاتهم لصالح الغير.
ما هي المشاعر التي يثيرها التمييز الراسخ؟ إنه مُغضب ومُسبب للثورة. ولا يتطرق العابثون الاسرائيليون، الذين يسطرون الرسوم البيانية للعنف الفلسطيني، الى عنفهم أو يستطيعون الطمس عليه، ولهذا ينبغي أن نعود ونصرخ قائلين إن كل فلسطيني وفلسطينية، من الفقراء أو ممن هم أقل فقرا ومن الأغنياء جدا ايضا، ومن اللاجئين أو غير اللاجئين، وممن يعيشون في البلاد (في حدود الانتداب البريطاني)، يخضعون لخطر يومي وهو أن تمس بهم السلطة الاسرائيلية ومندوبوها (الجنود ورجال الشرطة والمستوطنون واليمينيون) على نحو ما من جهة العيش وكسب الرزق والممتلكات والارض والصحة والدراسة واتصال العلاقات العائلية والأصدقاء.
لكل منطقة أشكال من الضرر والتنكيل الخاصة بها. فالحديث يدور بالنسبة لمواطني الدولة عن التشريع العنصري الزاحف؛ وفي القدس الشرقية عن سلبهم مكانة الساكن والطرد من البلاد؛ وفي الضفة الغربية عن الاعتقالات بالجملة والمستوطنات والمستوطنين ومصادرة الارض تحت غطاء موهم بأنه قانوني، والحياة دون ماء جارٍ في مجتمعات كثيرة وفي أشهر الصيف. وماذا عن قطاع غزة؟ إن سجانين غير مرئيين هويتهم معروفة يحبسون سكانها في أكبر سجن في العالم، ولا يوجد من يقول: استيقظوا وانتبهوا، فان هذه الافعال تغرق في ماء المجاري وفي بحر النسيان.

حرره: 
م.م