نفاق أمريكي

بقلم: رؤوبين بارك

‘حينما نكلم الامريكيين في الافراج عن بولارد نتلقى أجوبة قاطعة تقول إن الحديث عن شأن داخلي امريكي، وإن مواطنا تجسس لمصلحة دولة اجنبية يجب أن يعاقب عقابا شديدا. ويقولون إن استعمال عميل يجعل صورة الجماعة اليهودية مشكوكا فيها كان خطأ. وإن ابقاء بولارد في سجنه ينبع من الحاجة الى ردع اليهود المندمجين اندماجا جيدا في المؤسسة الامبريالية عن عمل مشابه. لكن الافراج عن بولارد عند الاسرائيليين هو اليوم قضية قيمية تتصل بتراث ‘افتكاك الأسرى’ اليهودي القديم. وحينما يفرج عنه سيتبنونه مواطنا وضحية لخطأ اعترفوا به علنا. وتتجاهل المؤسسة الامريكية هذا الألم بقسوة وهي تعلم أن بولارد لم يعرض امريكا للخطأ بل اخطأ بمساعدة اسرائيل وهي حليفة ومطلعة على أخفى أسرارها، في حربها للارهاب. لن يفرج عن بولارد قبل موعد الافراج حتى بدقيقة واحدة. وفي مقابل ذلك فان الامريكيين مستعدون لتدخل في شؤون اسرائيل الداخلية للافراج عن قتلة فلسطينيين سجنتهم سيصبحوا عند الافراج عنهم قدوة لأبو مازن ونشطاء ارهاب آخرين.

‘أفرج الامريكيون، وهذا محزن، منذ كان سجن بولارد عن جواسيس أضروا بأمنهم. وهم خصوصا الذين يزعمون أن الحديث عن ‘شأن داخلي’، يطلبون الآن الى اسرائيل أن تفرج عن ارهابيين قتلوا مواطنين اسرائيليين، وذلك في اطار خطة سلام هاذية. ولا شك في أنه من الواضح للامريكيين ايضا أن الحديث عن خطوة مدمرة عميقة في شؤون اسرائيل الداخلية تضعف مواطنيها وتشجع الارهاب الفلسطيني والاسلامي.

‘وفي هذه الاثناء وكما يقول المثل العربي ‘زاد الامريكيون الطين بلة’. فقد تبين بمساعدة المسرب الامريكي سنودن للجميع أن الامريكيين خصوصا الذين يشفقون ‘على شؤونهم الداخلية’ ينبشون (بأظفار غير مقلمة) في شؤوننا الداخلية وتشتغل اجهزة استخباراتهم بتغطية استخبارية لزعماء واهداف امنية واجتماعية في اسرائيل بواسطة عملاء واجهزة الكترونية. فليقم من فاجأه النفاق.

‘إن الباعث الامريكي القوي حول ‘المشكلة الفلسطينية’ يبدو عجيبا ولا سيما على خلفية الضعف الامريكي في قضايا جوهرية في الشرق الاوسط وانهيار الثقة بينهم وبين الدول العربية. فقد بين ‘الشتاء العربي’ للجميع وللامريكيين ايضا أن ‘المشكلة الفلسطينية’ لا توجد حتى في هوامش الاهتمام في منطقتنا النازفة التي يذوي فيها اللاجئون الحقيقيون ملايين. إن البواعث المجهولة للضغط الامريكي والاوروبي على اسرائيل كي لا تبني في المستوطنات التي ستشتمل عليها التسوية السلمية أصلا والافراج عن قتلة في المقابل ودفع مصالح اسرائيلية وجودية عوض ‘رؤيا السلام’ المتخيلة هذه، تثير الشك والصدود.

‘إن تأييد الولايات المتحدة لطلب أبو مازن الافراج عن سجناء امنيين من مواطني اسرائيل بلغ بالنفاق الى ذروته. تعلمون أن الزعيم الفلسطيني غير مستعد للاعتراف بأن اسرائيل دولة يهودية بسبب ادعاء ‘الأقلية العربية’ فيها. وهو يدعي تمثيل الأقلية العربية في اسرائيل تخصيصا باعتبار ذلك جزءا من عدم اعترافه بسيادتها. وعلى ذلك فان التدخل الامريكي في هذا الشأن الاسرائيلي الداخلي ايضا هو الوالد الوغد للنفاق والتلون. ونقول بالمناسبة إن السجناء الامنيين من مواطني اسرائيل الذين حاربوها سيلتزمون خطيا أن أبو مازن يمثلهم حقا وسيفرج عنهم فورا بصفتهم فلسطينيين فخورين، الى دولتهم.

‘يأتي جون كيري ويذهب وفي اثناء ذلك أخذت تتلاشى الطوائف المسيحية في الشرق الاوسط وتُحرق كنائسها. ويتعذب بولارد اليهودي تحت النسر الاستعماري الروماني الذي تبنته امريكا.فاذا استمر الغرب في التدهور بسبب سياسته ‘الحكيمة’ فسيكون البابا الذي يتوقع أن يزور منطقتنا هو المسيحي الاخير في الشرق الاوسط كما يبدو، وآنذاك سيمكن حصر العناية في اليهود بصورة أفضل

حرره: 
م.م