مشروع "موقف جفعاتي" ... مساس خطير بالقدس الشرقية

بقلم: نير حسون
على بعد نحو عشرين متراً فقط عن سور البلدة القديمة في القدس، وعلى بعد نحو مئة متر عن باحة الحائط الغربي، عند حدود أحد الأحياء الأكثر اكتظاظا واهمالا في شرق القدس، وهو سلوان، يُخطط لإنشاء مشروع ضخم، أصبح يثير معارضة لم يسبق لها مثيل حتى قبل وضع حجر الأساس بكثير. إن مشروع البناء، الذي يفترض أن ينشأ في منطقة موقف جفعاتي (حي وادي حلوة، المقام على أراضي سلوان- المحرر) في الصعود الى سلوان، قد يصبح مركز زوار كبيرا بمبادرة من الجمعية اليمينية إلعاد، ويكون فيه، من جملة ما سيكون، متحف وحوض مائي كبير ومدخل الى الحديقة الوطنية، مدينة داود.
"إذا لم نكن شجعانا قليلا، واذا لم نقد اجراءات تخطيطية مع الاجراءات التسويقية والاجراءات الاخرى التي نقوم بها، فسنكون حكماء بقروش وأغبياء بشواقل"، بيّن رئيس بلدية القدس، نير بركات، في ظهور غير عادي أمام اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء في شباط 2012. وبذلك عزز رئيس البلدية الخطة التي تدفع "إلعاد" بها تعزيزاً آخر – و"إلعاد" هي التي تدير الحديقة الوطنية وتعمل على تهويد منطقة سلوان – وتحظى أيضا بدعم سلطة حماية الطبيعة والحدائق. وفي ذلك النقاش جهد بركات في أن يذكر أن البناء ضروري للتمكين من زيادة عدد السياح في منطقة البلدة القديمة. "لا تخشوا اتخاذ قرارات تعني تطويرا جوهريا للمحيط الذي نعيش فيه"، أعلن، "كي نستطيع جميعا أن نعلم أننا خططنا المدينة لغايتها وللدور التاريخي الذي يجب أن تدفع به قدما وتحققه".
بحسب التخطيط سيرتفع المبنى الذي سينشأ 7 طوابق في مساحة 16600 متر مربع في الطبقة الارضية. وفي السطح الأدنى ستكون "طبقة أثرية" تحافظ على العاديات التي وُجدت في اعمال الحفر الجارية في ذلك المكان في السنوات الاخيرة وتُمكن من الوصول اليها. وخُطط فوق طبقة الأثريات لـ "موقف اوتوماتيكي" مخصص لـ 250 سيارة، وفوقه فرع سياحي يشمل غرف دراسة وقاعات عروض وحوضا مائيا كبيرا وحوانيت تذكاريات ومطعما ومكاتب ادارة مدينة داود وغير ذلك. وستكون أسطح المبنى مفتوحة للجمهور، ويوصل المبنى بشارع هورودوس تحت الارض حيث يصل بين مدينة داود وباحة الحائط الغربي.
حصلت الخطة في الاشهر الاخيرة على دعم آخر من الحكومة، هذه المرة. ففي تشرين الاول الماضي بعد الدفعة السابقة من الافراج عن السجناء، ذكر رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، خطة "قيدم" (الهيكل التوراتي) باعتبارها واحدة من خطط البناء التي ستقام وراء الخط الاخضر لتكون شبه تعويض لليمين عن الافراج عن السجناء. ومنذ كان الاعلان أصبح يُشعر في الحقيقة بتعجيل الخطة في قنوات جهاز التخطيط.
لكن الى جانب الدعم المؤسسي ثار ضد الخطة تحالف واسع متنوع يضم معارضين، منهم مهندسو عمارة وعلماء آثار وأدباء وشعراء ورجال حياة عامة واكاديميون. فهؤلاء يشيرون الى أن المبنى الضخم يتوقع أن يغير منظر أسوار المدينة القديمة، ويكون سابقة لا مثيل لها لبناء خاص كثيف على تل أثري ذي أهمية علمية نادرة. وانضمت الى المعارضين ايضا وكالة "اليونسكو" التابعة للأمم المتحدة وذلك برغم أن رئيس اللجنة الاسرائيلية التابعة لـ "اليونسكو"، مهندس العمارة آريه رحمينوف، هو نفسه مخطط المنشأة.
قُدمت في الأيام الأخيرة أربعة اعتراضات على خطة منطقة القدم. قدم أحدها مهندس العمارة، حاييم يعقوبي، باسم سلسلة طويلة من رجال الحياة العامة ومهندسي العمارة والفائزين بجائزة اسرائيل واكاديميين، منهم الشاعران حاييم غوري وآغي مشعول، والأديب دافيد غروسمان، ومهندس العمارة دافيد كرويانكر، والفنان لاري أبرامسون، والباحث في القدس ونائب رئيس البلدية السابق ميرون بنفنستي، واساتذة الجامعات يارون ازراحي وروني ألين بلوم واليشع افرات ودافيد دوغنهايم، ويورام بيلو، ويوسي بن آرتسي وكثيرون آخرون. "إن القدس عظيمة القدسية منذ آلاف السنين"، قال حاييم غوري، " ثلاث ديانات وشعبان متعلقان بها، وهي مدينة جد رائعة ولا يمكن أن يتم شيء كهذا ليكون وقاحة من طرف واحد، أنا خائف جدا من هذا الشيء".
وقُدم اعتراض آخر باسم مجموعة علماء آثار تشمل البروفيسور جدعون بريستر، والبروفيسورة يهوديت غرين، والبروفيسور زئيف هرتسوغ، والدكتور حاييم غولدبوس والبروفيسور رافي غرينبرغ وآخرين. وقُدم اعتراض ثالث باسم 43 من سكان سلوان الفلسطينيين والرابع باسم جمعية "عير عاميم" (مدينة الشعوب).
إن المعارضين العامين يؤكدون في معارضتهم الاضرار بالمنظر الطبيعي والاخلال بمبادئ الحفاظ على المنطقة حول أسوار المدينة القديمة. وهم يزعمون أن اسرائيل حرصت منذ 1967 على الاستمرار في سياسة التخطيط التي بدأت في عهد الانتداب البريطاني وفحواها ألا تُبنى مبان، ولا سيما مباني كبيرة، على بعد أقل من 75 متراً عن أسوار المدينة القديمة. وأُجيز هذا المبدأ في خطة الحديقة الوطنية في نهاية ستينيات القرن الماضي، وأُجيز من جديد منذ ذلك الحين في عدد من الخطط منها الخطة الهيكلية الجديدة للقدس التي هي في مراحل الموافقة الاخيرة عليها. لكن منطقة "قيدم" ستُبنى على بعد 20 متراً فقط عن الأسوار.
"كان العاملون في التخطيط وقادة الحياة العامة متفقين في الآراء بأن مسؤوليتهم هي الحفاظ على صورة القدس كما حلم بها كثيرون (من كلام مهندس العمارة آريه دبير الذي أعد خطة الحديقة الوطنية حول أسوار المدينة القديمة)، وحماية هذه الصورة من أخطار تطوير البنى التحتية للنقل العام والسياحة. وكانت النظرة الى هذه المنطقة على أنها كمال تخطيطي واحد"، ورد في وثيقة الاعتراض. والخطة في زعم المعارضين "اخلال سافر بهذه المبادئ. إن انشاء مبنى ذي سبع طبقات في مساحة تزيد على 16600 متر مربع وعلى ارتفاع يكاد يمس أسوار البلدة القديمة، هو بالضبط عكس "الحفاظ على صورة القدس كما حلم بها كثيرون". وخلافا لهذا الالتزام سيغطي المبنى الضخم أسوار المدينة القديمة ويخفيها عن عيون الناظرين الى البلدة القديمة من الجنوب".
"أعرف تخطيط القدس من قريب منذ 45 سنة"، يضيف مهندس العمارة والخبير بتاريخ العمارة في القدس، دافيد كرويانكر، "ولم ألق قط خطة بمثل هذه الوقاحة ومع قدرة فتاكة محتملة كهذه الخطة. يوجد قراران تاريخيان في القرن العشرين في القدس، الاول لرونالد ستورز، الحاكم العسكري البريطاني الاول في المدينة، الذي أمر بأن يكون البناء بالحجارة. والمرسوم التاريخي الثاني الذي أصدره تيدي كوليك في 1967 وكان بناء الحديقة الوطنية للحفاظ على رئة خضراء بين المدينة التاريخية والمدينة الجديدة حولها. يوجد غير قليل من المدن التاريخية يختلط فيها البناء القديم بالبناء الجديد ويفقد تميزه. وأرى أن لذلك أهمية، وقد يكون ذلك هو أهم قرار اتُخذ في التخطيط في القدس. ليست المشكلة هندسة المبنى، فأنا لا أتناول ذلك بتاتاً. بل توجد هنا مسألة مبدئية هي السابقة. ويوجد هنا مس بمبدأ الحديقة الوطنية ولذلك فهذه وقاحة".
والى ذلك يذكر المعترضون العامون أن المبنى خُطط له على بعد "أمتار معدودة من جبل الهيكل، وهو منطقة تقع في قلب الصراع وكل تغيير فيها يمكن أن يثير توترا كبيرا"، وأن "المنطقة التي خُطط للعمل فيها هي حي سكني فلسطيني (سلوان) مكتظ ومُهمل يعيش فيه أكثر من 30 ألف مواطن. وسكان الحي محتاجون احتياجا هائلا الى رياض اطفال والى حدائق وملاعب وغير ذلك. وفي التوازن المطلوب بين الطموح الى الحفاظ على التراث وبين المحيط الذي خُططت الخطة فيه، يُحتاج الى تلبية حاجات السكان لا الى مبنى ضخم".
يلقى هذا الكلام تعزيزا من الاعتراض الذي قدمه 43 من سكان سلوان بوساطة المحامي سامي ارشيد، يزعمون أن القسيمة التي خُطط للخطة فيها هي آخر مساحة مفتوحة في الحي، وبدل أن تُخصص لمصلحة السكان صودرت لصالح "مدينة داود". وتنشئ الخطة شعورا آخر بالظلم والاضطهاد تعبر عنه مصادرة اخرى لأراضي الحي، وهي في هذه المرة الارض الوحيدة الخالية للسكن ولتطور الحي، وكل ذلك دون استجابة لحاجات السكان"، يقول ارشيد. والاعتراض الذي قدمه يتناول ايضا الضرر السياسي والهدف السياسي لإقامة المبنى في ظاهر الامر. "ترمي الخطة الى بناء متحف ومركز زوار وسياحة اسرائيلية في قلب القدس الشرقية"، يكتب ارشيد الذي يذكر أن معنى ذلك هو زيادة وجود اسرائيلي في المنطقة التي تخضع لتفاوض سياسي وهي رهن لتسويات في المستقبل. "تحظر السياسة التخطيطية في هذه المنطقة كل بناء فلسطيني في المكان ولا تُمكن من الدفع قدما بخطة بناء سكني منذ 1967 بسبب الاعلان بأن المنطقة منطقة حديقة وطنية"، أضاف.
ورد في اعتراض جمعية "عير عاميم" (مدينة الشعوب) الذي أعده المحامي يشاي شندور أن "البناء المقترح في مثل هذا القرب من أسوار المدينة القديمة تخريب حضاري وعماري وجمالي. ويدور الحديث عن عدم احترام لتراث المدينة، وعدم احتشام وصلف فظ... جوهره كله رفع علم اسرائيلي بأسلوب هيرودي داخل منطقة فلسطينية في شرق القدس وذلك على يد جسم ايديولوجي نشاطه المعلن هو محاولة تعميق السيطرة اليهودية داخل القرية". ويزعم شندور أن المبنى خُطط ليغطي على ما حوله، "لا توجد هنا حالة عدم اندماج بل يوجد مبنى يريد بتعمد متعمد أن يطمس ما حوله ويصبح أيقونة". وزُعم في الاعتراض ايضا أن المبنى سيُخل بالتوازن المواصلاتي في المنطقة لأنه سيجذب النقل الخاص الى منطقة مزدحمة أصلا، وأضافت يهوديت اوبنهايمر، المديرة العامة لـ "عير عاميم"، أن هذه هي "الصيغة التاناخية لقضية هولي لاند. إن رئيس الوزراء وبلدية القدس وسلطة الطبيعة والحدائق يتعاونون معا ويبيعون جهة خاصة متطرفة أملاك القدس. يصعب أن نتجاهل وقت دفع الخطة قدما وبين يديه المحاولات التي لا تنتهي لإفساد المسيرة السياسية".
ويزعم مهندسو العمارة المعارضون للخطة أنها عدوان لم يسبق له مثيل على مبادئ الحفاظ على مواقع أثرية في البلاد. ففي منطقة موقف جفعاتي يُجرى في السنوات الاخيرة واحد من أكبر اعمال الحفر الأثري في اسرائيل. وقد كشف الحفر الذي يتولى رئاسته الدكتور دورون بن عامي من سلطة الآثار، الى اليوم عن قصر روماني فخم، وبقايا مبنى من العهد الحشمونائي، وعن مبنى كبير من العصر الهيليني. ووجد بين العاديات الصغيرة التي كشف عنها في ذلك المكان كنز قطع ذهبية وأداة نحاسية كانت تستعمل رُقية في الفترة الرومانية. وقد غير الحفر كثيرا تصور الباحثين للقدس القديمة، ولا سيما في العصر الروماني المتأخر، عصر إيليا كابيتولينا.
قدم علماء الآثار اعتراضهم بوساطة منظمة "عيمق شفيه"، التي تجمع علماء آثار يعارضون الاستعمال السياسي، في زعمهم، لعلم الآثار في البلاد. ويؤكد علماء الآثار أنه لا سابقة لمبنى كبير جدا يقام فوق تل أثري. "إن المبنى المخطط له سابقة خطيرة لإنشاء مبنى فوق موقع أثري متعدد الطبقات ومركزي"، ورد في اعتراض علماء الآثار، "لا يوجد أي امكانية للدفع قدما ببناء منشأة بالكبر المقترح والامتناع عن الاضرار بآثار المدينة القديمة في القدس"، يكتب علماء الآثار. وهم يزعمون أن سلطة الآثار لم تُعد أي خطة للحفاظ على الآثار، ولم تُبين أين ستقام الاعمدة الاسمنتية التي ستسند الطبقة الأثرية. "إن الخطة الى جانب مسها الذي لم يسبق له مثيل بالآثار التاريخية لا تقترح شيئا لصالح سكان سلوان".
تذكر كرويانكر أنه أعد قبل عشرين سنة معرضا تحت اسم "حلم يقظة" شمل جميع المباني التي خُططت ولم تنشأ قط في القدس. "آمل أن يعرض من يُعد معرضا مشابها بعد عشرين سنة هذا المشروع ايضا، وآمل أن يجد نفسه في مزبلة التاريخ". يجب أن تُحدث القدس نفسها وتاريخها ومركباتها المختلفة، وهي لا تستطيع أن تُجن في كل مرة بهذه الصورة التي تقع مرة واحدة"، يضيف غوري، "ذلك برغم أننا الأسياد وربما لأننا الأسياد خصوصا. لم أقتنع بعد بأن انشاء هذا المبنى على مثل هذا البعد عن الأقصى سيفضي الى أخوة بين الشعوب والأديان".
وجاء عن سلطة الطبيعة والحدائق ردا على ذلك أنه "لا يوجد أي إضرار بالآثار تحت المبنى، بل عكس ذلك بالضبط. إن سلطة الآثار تحفر في تلك المنطقة منذ أكثر من ثماني سنوات لأجل البناء والبحث الأثري للتمكين من إدماج المبنى في المنطقة. وتمت في هذا المكان عمليات في نطاق واسع، وخُطط المبنى باهتمام كامل بالآثار التي تم الكشف عنها. والى ذلك يتناول تخطيط المبنى بصورة مميزة ومتشددة أسوار المدينة القديمة كي لا يمس بالمنظر الطبيعي وبجلال أسوار المدينة القديمة. فالمبنى لا يرتفع أكثر من طبقة واحدة فوق الشارع الذي يفصل المبنى عن السور". وجاء ايضا أن "المبنى لا يتجاهل حاجات السكان المحليين لحقيقة كونه مبنى عاما في حديقة وطنية مفتوحة للجميع. إن أسطح المبنى جميعا معابر عامة للجمهور الواسع، وهي تُمكن من تنقل حر وانشاء صلات مدنية مهمة في اتجاهات مختلفة. والمبنى منظومة دخول ومركز زوار منظم الى الحديقة الوطنية".
وجاء ردا على ذلك من بلدية القدس أنه "حينما يؤتى بالخطة لتناقش في اللجنة المحلية للتخطيط والبناء ككل خطة يُبحث فيها سيُستدعى المعارضون للإدلاء بكلامهم أمام اللجنة، وبعد سماع الاعتراضات ستتخذ اللجنة قرارا في الشأن".
وجاء عن جمعية إلعاد ردا على ذلك أن "الاعتراض على خطة منطقة "قيدم" قُدم اليوم، ويُسعد جمعية إلعاد أن ترد عليه بعد أن تنظر فيه وتدرسه دراسة عميقة".
وجاء عن سلطة الآثار: "إن سلطة الآثار ستُسلم الى اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء نظرها المختص في ذلك الامر".
وطلب مهندس عمارة الخطة، آريه رحمينوف، ألا يرد بالتفصيل الى أن يقرأ وثائق الاعتراض بدقة. "أُجيزت الخطة في اللجنة المحلية واللوائية وفي لجنة الحفظ وسمعنا الى اليوم فقط كلمات حارة عن الخطة. فهي تتناول جملة من جوانب المنطقة وجرت عليها جميع الفحوصات، وتشمل فحوصا بصرية. وستسهم الخطة إسهاما كبيرا في المنطقة".