ما الذي خلفه اريئيل شارون؟

بقلم: جدعون ليفي

إن اريئيل شارون هو مجدد اللغة العبرية. لقد أوجد اليعيزر بن يهودا الكلمات (الاسرائيلية)، وترجمها شارون الى اعمال (اسرائيلية). وقد صاغ شارون مع سلفه موشيه ديان أكثر من كل شخص آخر اللغة الوحيدة المرددة على لسان دولة اسرائيل وهي لغة القوة والحرب والاحتلال والعنف. إن ديان وشارون لكن بقدر أكثر منه، كلاهما من القرية نفسها تقريبا، وقد آمنا بهذه اللغة فقط. وهما وكلاهما من قرية زراعية ومتوج بهالة عسكرية حُكم عليه في مرحلة ما بالاقصاء والابعاد وحاولا أن يصلحا في أواخر أيامهما. كان شارون أعنف وأكثر تأثيرا وكان اصلاح ديان أكثر وقعا في النفس. وسيتذكر التاريخ كليهما.

‘سيتذكر التاريخ شارون بأنه هو الذي صاغ توجه اسرائيل الأساسي منذ كانت، أعني مبدأ ‘بالقوة فقط’. ولم تُجرب الدولة قط لغة اخرى سوى لغة شارون، فالعرب لا يفهمون سوى القوة كما كان يقين مجدد اللغة، واستعمالها هي الطريقة الوحيدة للبقاء. وجدد شارون لغة عدد من أبطال الكتاب المقدس بالاحتلالات والحروب والابادات. كان اريئيل بن شموئيل شخصية من الكتاب المقدس بقدر لا يقل عن يربعام بن يوآش أو يوشع بن نون. كان ذلك منذ أيام الوحدة 101 غير البهيجة، مرورا بدورية ريمون القاسية الى حرب لبنان الاولى؛ ومن قبية مرورا بجباليا ثم الى بيروت، كان شارون وزير حروب اسرائيل. ويحسن تذكر ذلك مع كل التأبينات والمديح الآتي.

يحسن أن نتذكر أن اسرائيل كانت تستطيع وكان يجب عليها أن تتخذ لغة اخرى ايضا، وهي حتى لم تُجرب قط فعل ذلك بجدية. فقد أقنعها الشارونيون والديانيون، الجنرالات الفلاحون القُساة بأن تعتقد ببساطة أنه لا توجد لغة اخرى. وأيد شارون كل عملية عنيفة من ‘عمليات المُجازاة’ الى ‘السور الواقي’، وذبح المدنيين والتدمير والطرد والانتقام، فانتقم ودفع ثمن ذلك. وبذلك لم يصغ سياسة اسرائيل فقط بل صورتها الاخلاقية ايضا. كان لاسرائيل قادة أكثر اعتدالا من شارون لكن لا أحد منهم تجرأ على التمرد على الحقائق التي أشاعها، وأن يترك ولو لحظة واحدة البندقية (أو الهراوة) التي علمت أم شارون، شارون أن يضعها قريبة منه دائما. إن تراث فيرا أصبح تراث اريئيل الذي أصبح تراث اسرائيل.

كان شارون تجسيدا لحلم كل سياسي، فقد خلف تراثا. كان ذلك تأليفا نادرا بين الشجاعة الشخصية والسياسية أنتج رؤيا يُحتاج الى سنين بعد لنقضها. كان هذا الرجل الساحر القاسي من أكثر قادة اسرائيل موهبة وخطرا، وهو بعد دافيد بن غوريون الرجل الذي صاغ صورتها أكثر من كل واحد آخر، فقد قادها الى مناطق احتلالها البعيدة والقريبة وجعلها تقتل وتُقتل في الضفة والقطاع ولبنان سنين طويلة. وحتى حينما حاول أن يقوم باصلاح حياته الذي كان يفترض أن يكون اصلاح حياتنا، أعني الانفصال عن غزة، فعل ذلك بطريقته الصلفة المؤمنة بالقوة التي لا تحسب حسابا للفلسطينيين ولا تفاوضهم ولا تؤمن بالاتفاقات. وهو بخلاف الآخرين لم يكره العرب بل كان اسوأ من ذلك، فهو لم يصدقهم. كان ‘الجرافة’ في الحقيقة رجل الافعال العظيمة والقرارات الحاسمة المصيرية؛ ‘اريك ملك اسرائيل’ ترك فيها أثره في الحقيقة لكن أنظروا ما الذي بقينا معه. إن ساسة الحاضر يبدون اذا قيسوا به باهتين لكن الضرر الكبير للرجل العظيم باقٍ الى الأبد.

أتذكر الآن النزهة الخاصة التي أجراها لي في قطاع غزة في شتاء 1989: كم كان ساحرا وكم كان كلامه خطيرا ومُضللا. أراد آنذاك أن يبرهن لي على أنه لا يجوز أبدا اخلاء القطاع خشية الصواريخ (والحمى المالطية التي ستنتشر من غزة كما قال)، ووافق في الوقت نفسه على عودة عشرات آلاف اللاجئين الى داخل دولة اسرائيل. وهو السياسي الاسرائيلي الوحيد الذي لم يحسب حسابا قط لاستطلاعات الرأي والنشطاء الحزبيين، فقد كان يحتقرهم. وأثبت قدرة السائس على أن يقود اجراءات مصيرية وأن يصوغ ويغير دولة بحسب اعتقاده وطريقته وانظروا الى أين قادها.