أردوغان وإيران ـ فساد نووي وأكثر

بقلم: تسفي بارئيل
‘شركة الباصات التركية ‘اولوسوي’ معروفة جيدا لكل من يزور تركيا. شبكة خطوطها تصل الى كل موقع وباصاتها السياحية تنقل ملايين السياح في ارجاء الدولة وهي’ تسيطر ايضا على فرع السياحة عبر شركة ‘وران’ المتفرعة عنها وتملك مواقع استجمام وفنادق فاخرة.’
‘ما هو معروف أقل هو انه اشترى الشركتين مؤخرا رجل اعمال ايراني يسكن في لندن ويدعى مهدي شمس زاده. وقد اشترى قبل ذلك في ايار، مقابل 250 مليون دولار شركة الطيران التركية الصغيرة ‘اونور’. وبعد بضعة ايام من الشراء اشترت شركة الطيران الايرانية ‘كشم ايرلاينز′ سبع طائرات جمبو من مالكي ‘اونور’ الجدد. و ‘كشم ايرلاينز′ هي شركة فرعية في التجمع التجاري الكبيرة ‘سورنت’ الذي مركزه في دبي، بملكية رجل الاعمال الايراني بباك زنجاني.’
ويقدر رأسمال الشركة بنحو 13 مليار دولار، وهي تستثمر في دول عديدة في العالم، من تركيا وحتى طاجكستان. حتى هنا يبدو كل شيء’ عاديا، باستثناء موضوع صغير وهامشي زنجاني ورونت يندرجان في قائمة الشخصيات والشركات التي فرض عليها الاتحاد الاوروبي عقوبات بسبب النشاطات الرامية الى تجاوز العقوبات على ايران.
كما تبينت الاسبوع الماضي حقيقة مشوقة اخرى. فزنجاني هو رئيس رضا زراب (أو سراف كما هو مسجل في تركيا)، الذي اعتقل مؤخرا في قضية الرشوة الكبيرة التي تهز تركيا، والتي يشارك فيها حسب الاشتباه ابناء ثلاثة وزراء على الاقل، مدير البنك الحكومي ‘الك بنك’ وعدد من الشركات التركية الكبرى. وهذا مجرد طرف شبكة معقدة بسطها رجال اعمال ايرانيون في تركيا، وحسب التقارير في وسائل الاعلام التركية اقامت حكومة ايران صندوقا خاصا مع ميزانية 8 مليار دولار للاستثمار في الاعمال التجارية في تركيا.
العلاقة بين زراب وزنجاني مصنوعة من الذهب، المعدن وليس مجازا. فالحكومة الايرانية برئاسة محمود احمدي نجاد أودعت في يده احد المشاريع الحيوية الرامية الى ضخ الاموال النقدية الى صندوق الدولة الذي اختنق تحت العقوبات. وباع زنجاني النفط والغاز الايرانيين بحجم يقدر بـ 3 مليار دولار والمقابل (بعد العمولة الى جيبه) اودعه في بنوك في’ ماليزيا وفي تركيا في صالح الحكومة الايرانية.
ولكن تركيا التي انضمت الى نظام العقوبات ما كان يمكنها أن تنقل المال من البنوك الى ايران، ولهذا فقد وجدت طريقا التفافيا. فقد تم تحويل المال الى ذهب الذي خرج الى ايران عبر اتحاد الامارات ومنه الى صندوق ايران. وقد نجح هذا الترتيب جيدا الى أن اكتشفت الولايات المتحدة الالتفافة التركية وطلبت من تركيا الكف عن ذلك.
صفقات الذهب ومبيعات النفط الدوارة ادخلت الى زنجاني المليارات والتي كان بعضها يفترض أن يحوله الى صندوق المالية الايرانية. وجعلته علاقاته الوثيقة مع الرئيس السابق محمود احمدي نجاد محصنا من التحقيق او الانتقاد. ولكن هذا الاسبوع، بعد تحقيق طويل فتح ضده منذ ايلول اعتقل زنجاني في وقت قريب لدرجة العجب من اعتقال مبعوث زراب الى تركيا.
فهل تخشى ايران ما يكتشف في قضية الفساد التركية وتريد التأكد من أن زنجاني سيغلق فمه ولن يكشف امورا من شأنها أن تحرج النظام التركي الذي يستأنف علاقاته التجارية المتفرعة مع ايران؟ وهل يخشى المسؤولون في ايران من اسرار تهز النظام فيبدأوا حملة تطهير؟ أم أن نظام روحاني قرر ان يجتث من الاجهزة الموالين لاحمدي نجاد دون أن يمس بابن الزعيم’ الاعلى مجتبى خمينئي، الذي’ يسيطر على كل املاك الزعيم الاعلى؟
وتطالب’ ايران زنجاني بان يعيد الى صندوقها مليار ومئتي مليون دولار تدعي الدولة انه مدين بها على مبيعات نفط وعلى أنه لم يودع الضمانات اللازمة لتنفيذ صفقاته بتكليف من الدولة. ‘زنجاني ليس وحيدا. توجد شبكة كاملة من الاشخاص الذين اثروا على حساب معاناة المواطنين. يوجد هنا فساد’، قرر هذا الاسبوع عضو البرلمان الايراني محمد رضا طبش.
زنجاني، الذي يزين موقع شركته بصور خمينئي والخميني لا ينفي أنه مدين بهذا المبلغ للدولة، بعد أن دفع اكثر من 3 مليار دولار من المقابل الذي تلقاه لقاء النفط والغاز، ولكنه يطلب من الحكومة فقط شيئا واحدا، ‘اعطوني رقم حساب اين تريدون’ أن اودع لكم المال فيه’، وذلك لان البنك المركزي يخضع للعقوبات وليس مخولا بتلقي التحويلات من الخارج.
وفي هذه الاثناء، يعلق ذهب بقيمة 13 مليار دولار لا يمكنه ان يغادر بسبب الحظر الذي فرض على تصديره في بداية 2013، وفقط بعد الاتفاق الذي وقع مع ايران سيكون بوسع تركيا أن تحرره. ولكن حتى حظر تصدير الذهب، وعلى مدى ثلاث سنوات، صدرت تركيا الى ايران ذهبا بنحو 8 مليار دولار، تم شراؤه في صفقات دوارة. بعضها عبر ايداعات في بنوك في الصين انتقلت’ تحت الغطاء الى بنوك في تركيا وبعضها عبر بنوك في طاجكستان او عبر نحو 64 شركة يسيطر عليها زنجاني.
عن التحويلات المالية ونيل تراخيص التصدير من تركيا كان مسؤولا على ما يبدو رضا زراب، الذي دفع حسب’ الاشتباه رشوة بمليوني دولار لابناء ثلاثة وزراء في حكومة اردوغان، استقالوا حاليا من مناصبهم. ويتمتع زراب بظروف لا بأس بها في السجن التركي. زوجته هي المغنية التركية الشعبية اربو غونداش، التي جرى التحقيق معها في الشرطة واطلق سراحها، والسلطات تسمح لها بزيارة زوجها كل يوم لـ 45 دقيقة، خلافا للانظمة التي يحق فيها للمعتقل زيارة 45 دقيقة من ابن عائلة أربع مرات في الشهر فقط. وعلى سؤال من سمح بالزيارات لايوجد جواب.
السؤال الاكثر’ تشويقا هو اذا كانت ستكتشف علاقة مباشرة بين’ زنجاني وزراب ورئيس وزراء تركيا رجب طيب’ اردوغان، الواثق من أن هدف كشف قضية الفساد تستهدف ‘قتله’ سياسيا، مثلما قال هذا الاسبوع. وعن زراب قال: ‘هو شخص يعمل في تصدير الذهب.’ وأنا أعرف انه يساهم للدولة ويعمل في الاعمال الخيرية’. المدعي العام معمر أكاش، الذي’ ترأس التحقيق ألمح هذا الاسبوع بعلاقة محتملة بين مكتب اردوغان وقضية الفساد. أكاش، الذي ابعد عن التحقيق، اصدر قبل نقله أوامر اعتقال لرجال أعمال كبار في تركيا، بعضهم مقربون من اردوغان، وكان يوشك على كشف القسم الثاني، على ما يبدو الاكبر من القضية.
ولكن الشرطة لم تنفذ اوامر الاعتقال، وفي هذه الاثناء لم يعد مخولا بادارة التحقيق. وضمن المطلوبين للتحقيق الذين طلب اكاش اعتقالهم يوجد اسم رجال الاعمال السعودي ياسين’ القاضي الوارد في قائمة المخربين في الامم المتحدة، والتي نشرت في تشرين الاول’ 2012. في 2001 كان القاضي في قائمة وزارة المالية الامريكية كمن يعمل في مساعدة الارهاب الدولي، وحسب الاشتباه ساعد في تمويل اسامة بن لادن. في’ تموز 2006 قال عنه اردوغان: ‘اعرف القاضي وأثق به كما اثق بنفسي ولا يحتمل أنه مؤيد أو مساعد للارهاب’.
يبدو أن الثقة بالقاضي مستمرة حتى اليوم، وذلك لانه حسب المدعي العام اكاش، زار القاضي أربع مرات على الاقل تركيا بين شباط 2012 وتشرين الاول 2012، رغم قرار الحكومة منع دخوله. وفي كل مرة من هذه المرات استقبله في المطار رجل الحراسة التابعة لاردوغان الذي رافقه في اثناء زياراته والتي عقد فيها عدة صفقات مع رجال اعمال اتراك مقربين من رئيس الوزراء.
‘الدولة’ العميقة’ تعيش وتتنفس عندنا ايضا تحت حكم اردوغان، الذي خرج مع سيف مرفوع ضد ضباط الجيش ورجال الفكر ممن اشتبه بهم بانهم تآمروا على اسقاط نظامه في قضية ‘ارغنكون’، قال لـ ‘هآرتس′ المحلل التركي الذي طلب عدم ذكر اسمه (‘كي لا يتهموني انا وانت بالتآمر على اسقاط النظام’)، ‘الان توجد لنا قضية جديدة يمكن’ أن نسميها اردوغاكون. فهل هذه ستسقط اردوغان؟ فقط اذا ما نجحوا في ان يربطوا بشكل مباشر وواضح بينه وبين قضية الرشوة. من’ ناحية سياسية، لا بد انه سيتلقى ضربة ما، ولكن المشكلة هي بانه ليس لدينا في هذه اللحظة من يمكنه أن يتنافس أمامه، وحتى الانتخابات للرئاسة توجد لنا ستة أشهر اخرى. الكثير من المياه ستمر حتى ذلك الحين في البوسفور’.