ثرثرات سخيفة

بقلم: عاموس جلبوع

‘في سفر ايوب ترد آية عن السخيف وتفسيرها كما أجده هو أن السخيف، وبأسلوب عصرنا الغبي، يضرب جذورا قوية، يكرر سخافته في كل مرة، ولكن تحل على نحو مفاجئ اللحظة التي يدفع فيها الثمن على سخافته فيضيع ملكه هباء. أما سفر مشلي فيعلمنا بان الامر المرغوب فيه أكثر من أي شيء آخر للسخيف هو ان يسكت خشية أن تظهر سخافته. واذا ما فعل ذلك فقد يظن الناس به ذكيا بالذات.

‘عندما أنظر الى ما يجري ويقال ويكتب في بلادنا هذه الأيام لا يمكن للمرء الا يفكر بان السخفاء يضربون الجذور ولا يسكتون في آن معا بل وبالعكس، ينفخون في ابواق السخافة. قبل أن تبدأ المفاوضات مع الفلسطينيين أعلنت الحكومة بانه لن تكون أي شروط مسبقة. ولكن كانت بضعة شروط والحكومة خضعت واختارت تحرير القتلة بدلا من تجميد البناء في المستوطنات. وهذا خيار سيء وتافه. ولكن ماذا تفعل الحكومة؟ قبل كل تحرير تعلن عن عطاءات بناء في المستوطنات وهكذا تخلق على الفور معارضة دولية ‘فينسى’ العالم باننا نحرر قتلة (ما لم تفعله أي دولة متنورة!) ويركز على المستوطنات. وليس هذا فقط، بل نحرر قتلة من شرقي القدس ايضا كي ‘نعزز ابو مازن’. بمعنى أن حكومة إسرائيل تعترف بان شرقي القدس تعود عمليا الى السلطة الفلسطينية، وفي نفس الوقت تقسم بان في كل تسوية ستبقى القدس موحدة تحت السيادة الإسرائيلية، أي، القدس الغربية والشرقية على حد سواء.
‘ومن اجل تجذير السخافة تقر اللجنة الوزارية مشروع قانون لضم غور الاردن. فالضم لن يتم ولكنهم اعطوا للعالم الصورة السلبية لإسرائيل وأعطوا الفلسطينيين ذخيرة إعلامية اخرى.
‘نأخذ مثالا ايضا في النائبة اوريت ستروك من البيت اليهودي. فقد سُئلت في برنامج تلفزيوني عن خطتها السياسية العملية بالنسبة ليهودا والسامرة. ستروك ابتسمت ولم تجب. وبعد أن الحوا عليها أجابت على النحو التالي تقريبا: لنبني البلاد، لنستوطن بلاد الآباء والأجداد. لم اعد أعرف اذا كان هذا يمينا أم يمينا متطرفا. ولكن جذور السخافة تصرخ من ارض الآباء والأجداد، من ناحيتي على الأقل.

‘ومن الجهة الاخرى خذوا مثلا مقالة ظهرت في هذه الصفحات في نهاية الاسبوع الماضي وكان موضوعها قول وزير الدفاع موشيه بوغي يعلون بانه كان يفضل مقاطعة اوروبية على نار الصواريخ على مطار بن غوريون. الكاتبة تهاجم الوزير شخصيا. (فهو ‘جاهل’ و ‘تفكيره عديم الرافعة’، وما أشبه من ‘المدائح’) وتقرر: ‘يحتمل ان يقرر مجنون ما في الطرف الفلسطيني ان يطلق صاروخا نحو مطار بن غوريون، بل وينجح في الاصابة، فان الضربة التي سيوقعها الجيش الاسرائيلي على المدينة التي خرج منها الصاروخ ستكون أليمة بحيث لا يكون ممكنا لصاروخ آخر ان ينطلق على الدرب.وحتى الاكثر جنونا من بين الفلسطينيين يفهم هذا جيدا’. ‘دون أي صلة باليمين وبالبيسار، هذه اقوال سخيفة يجدر وضعها في اطار. وقد كانت معروفة لي تماما كانت هذه هي النغمة في الاغنية التي اطلقت بعد اتفاقات اوسلو وقبل فك الارتباط: فهم لن يتجرأوا ابدا على اطلاق النار علينا، واذا ما اطلقوا رصاصة واحدة، فان الجيش الاسرائيلي قوي سيسحقهم عن بكرة ابيهم وغزة ستهتز كلها!. وبالفعل، فان السخافة تكرر نفسها وتضرب المزيد من الجذور. وانت تقف مذهولا وتسأل نفسك: لحظة، وماذا اذا جاء الصاروخ من تلة وليس من مدينة، فماذا سيكون؟ واذا ما جاءت من مدينة فهل الجيش الاسرائيلي سيدمرها مثلما فعل الاسد بحلب مثلا؟

‘المجانين وحدهم يطلقون الصواريخ؟ فهل انتهى العنف في المجتمع الفلسطيني؟ وماذا سيكون بالنسبة للسياحة لاسرائيل وشركات الطيران؟ ويوجد ‘الف سؤال آخر’.
‘بالفعل، الفهم في بلادنا خرج في اجازة.

حرره: 
م.م