"اتفاق بلا موافقات"

بقلم: زلمان شوفال

إن وزير الخارجية الامريكي كيري شخص متفائل، لكن السؤال هو بأي قدر ‘يكوي’ الحقائق ليُسوغ (لنفسه ايضا) تفاؤله. ‘نحن نعلم ما هي المواضيع وما هي المعايير’، أعلن في بدء لقائه مع نتنياهو. لكنه امتنع عن أن يذكر أنه لا يوجد اتفاق بين الطرفين على أي موضوع من هذه المواضيع وهي الاعتراف المتبادل والقدس واللاجئون والحدود والأمن. هذا الى أن هدف ‘انهاء الصراع′ أخذ يبتعد كلما تكلم أحد القادة الفلسطينيين في شأن التفاوض.

من المؤسف فقط أن الرفض والانكار الفلسطينيين يستعينان ايضا بساسة اسرائيليين مختلفين يلقون على اسرائيل خصوصا معظم التهمة بل كلها احيانا، بعدم التقدم في المحادثات مع تجاهل مهذب للحقائق. ربما يمكن التجادل في هذا القرار أو ذاك في شأن البناء في المناطق أو وقته، لكن كان يجوز أن نتوقع من عضو كنيست فضلا عن عضو ائتلاف ألا يزور الحقائق كي يحظى فقط بعنوان صحفي لحظي في وسائل الاعلام. ونقول بالمناسبة إنه يُقال في فضل كيري إنه لا يجعل البناء وراء الخط الاخضر مسألة كبيرة ويراه موضوعا ثانويا خلافا لسلفه في المنصب السيدة كلينتون والرئيس اوباما اللذين جعلا موضوع الاستيطان في البدء هو المحور المركزي في سياستهما في الشأن الاسرائيلي الفلسطيني، وفشلا.

كان المعطى الأساسي في هذه الجملة المعقدة كلها وما زال تصميم الفلسطينيين على الامتناع بقدر استطاعتهم عن اجراءات تُلزمهم بمصالحات وتنازلات ولا سيما في شأن الاعتراف بأن اسرائيل دولة الشعب اليهودي، أي في مجرد حقها في الوجود. ومن هنا جاء تفضيلهم الواضح في اللحظة التي ستنتهي فيها الاشهر التسعة التي حددها كيري للمحادثات الحالية، أن يعودوا بكامل الزخم الى الساحات الدولية المختلفة ومنها المحكمة الدولية في لاهاي كي يدفعوا قدما بأهدافهم من طرف واحد دون حاجة الى تصالح.

ربما يمكن أن يؤثر ضغط كثيف جدا من الامريكيين على القيادة الفلسطينية يشمل تهديدا بعقوبات اقتصادية، أن يؤثر فيها لتغير سلوكها، وقد يكون هذا الضغط الامريكي أشد فعلا اذا استعان بدعم عملي من السعودية. وهذا هو الذي جعل كيري يسارع الى الطيران من القدس الى الرياض، وقد رضيت الرياض بحسب ما نشر من الأنباء على الأقل وذلك برغم غضبها وغضب حليفات الولايات المتحدة العربيات التقليديات الاخرى بسبب سلوكها في شأن سوريا وايران.

ينبغي أن نفرض أن السيد كيري ومساعديه، برغم تفاؤلهم الظاهر، منتبهون للصعاب التي أخذت تتراكم كلما اقترب الأجل المسمى، ولهذا أصبح الاقتراح هو التوصل الى ‘اتفاق اطار’. يبدو أن اسرائيل توافق على الاقتراح المذكور لا لمنع اتهامها بافشال جهود وزير الخارجية فقط بل لأن ذلك يفضي في واقع الامر الى تأجيل الأجل المسمى كما تقترح هي ايضا. وسيعارض الفلسطينيون من جهتهم لأن كل إطالة ستمنعهم من التوجه المخطط له الى الامم المتحدة. إن السيد كيري على كل حال لن يدع جهوده ليعرض بعد بضعة اشهر والى أجله المسمى على كل حال وهو 29 نيسان، ورقة ما: ‘ليس اتفاقا دائما لكنه ليس اتفاقا جزئيا ايضا بل هو خطوط موجهة للتفاوض في التسوية الدائمة’. ومن المؤكد أنه يمكن أن يوجد ايضا ‘اتفاق’ بلا موافقات كما يوجد في المعجم الدبلوماسي ما يسمى ‘لا وثيقة’ وهي على الخصوص ورقة مكتوبة و’ملاحظة شفوية’، أي رسالة شفوية هي رسالة خطية على التخصيص.