اليمين واضطهاد العرب في اسرائيل

بقلم: دمتري شومسكي

في مثل هذا اليوم قبل 300 سنة حدثت حادثة مهمة في تاريخ اضطهاد الشعب اليهودي: ففي الثامن من كانون الثاني 1714 وقع القيصر النمساوي المتطرف كارل السادس على كتاب تعيين ‘لجنة الاختزال’ (وهي ‘لجنة المضاءلة’)، التي كان عملها أن تصوغ ‘اقتراحات لمضاءلة عدد يهود براغ فورا’ وهم أكبر مجتمع يهودي في مركز اوروبا في أوائل العصر الحديث. يصعب أن نهرب من التشابه المقلق بين التباحث في مشكلة كثرة اليهود وانتشارهم الدائم في براغ كما جرى ذلك في جلسات اللجنة وفي الخطاب المسيحي المحلي قبل تعيينها وبين عدد من العناصر في الخطاب الاسرائيلي الحالي الذي يتناول ‘المشكلة السكانية’ التي تسمى العرب مواطني اسرائيل.

كما أكثر المسيحيون في براغ قبل 300 سنة الشكوى من ‘الضجيج اليهودي’ الذي لا يُطاق الذي يأتي من الكُنس في اوقات الصلوات ويقلق راحتهم، تثور هنا من آن لآخر شكوى من ‘الضجيج العربي’ أي نداء المؤذن في المساجد. وكما كان السكان المسيحيون في براغ في بداية القرن الثامن عشر قلقين من اتساع ‘الحي اليهودي’ الى داخل المدينة المسيحية وهو شيء أفضى الى استئجار اليهود لبيوت المسيحيين بل الى شرائها احيانا أصبحت الانتخابات المحلية في عدد من المدن الاسرائيلية في بداية القرن الواحد والعشرين مثل القدس والناصرة العليا، أصبحت متبلة بتحريض أهوج على وجود مواطنين عرب في أحياء يهودية.

وكما تقرر في كتاب تعيين ‘لجنة الاختزال’ أنه يجب عليها أن تفحص ‘لماذا لم تُنقح الاقتراحات السابقة (لمضاءلة عدد السكان اليهود) كما ينبغي أو لم تُنفذ كاملة’، الى درجة أنه لم يبعد بحسب الايقاع الحالي اليوم الذي يصبح اليهود فيه أكثرية في براغ، قام في اسرائيل في ايامنا الفائز بجائزة اسرائيل في بحوث الجغرافيا البروفيسور اليشع افرات ليحلل في مقالة في صحيفة ‘هآرتس′ (15/12) تقصيرات السياسة السكانية في اسرائيل التي أصبح الجليل بسببها ‘عربيا’.

إن كثيرين من المسيحيين من سكان براغ في بداية القرن الثامن عشر كانوا من أبناء مهاجرين جدد نسبيا الى المدينة: فبعد هزيمة طبقة النبلاء البوهيمية في معركة مع جيوش القيصر النمساوي على الجبل الابيض في 1620 أُجلي غير قليل من السكان المحليين من براغ وجيء بدلا منهم بأجانب كاثوليكيين من أنحاء المملكة، بل من خارجها. وفي مقابل ذلك كان كثيرون من اليهود من سكان براغ في ذلك الوقت يُعتبرون أبناء أجداد عاشوا في المدينة مئات كثيرة من السنين منذ القرن الثالث عشر احيانا أو ربما قبل ذلك. وبرغم ذلك لم يحجم أبناء طبقة النبلاء البوهيمية الجديدة والقيصر النمساوي نفسه ايضا ابن عائلة هابسبورغ التي حكمت براغ أقل من 200 سنة، لم يحجموا عن التحريض على يهود براغ بحجة أن الحديث عن اجانب يسيطرون على مدينة ليست لهم.

وبصورة مشابهة فان كثيرين من اليهود الاسرائيليين وممثليهم من الساسة هم مهاجرون أو أبناء مهاجرين جاءوا منذ وقت قريب. أما المواطنون الفلسطينيون في المقابل فهم أبناء البلاد أو أبناء المنطقة العربية التي كان هذا البلد جزءا لا ينفصل عنها مئات كثيرة من السنين. وبرغم ذلك، وكما كانت الحال في تلك الايام في براغ، لا يحجم المستوطنون الجدد أو أبناؤهم عندنا عن عرض أبناء البلاد الذين يسكنون ارضهم على أنهم يغتصبون ملكا ليس لهم.

تردد كبار مسؤولي مدينة براغ المسيحية كثيرا في سؤال كيف تُعزل وتُغلق ‘مدينة اليهود’ بصورة أنجع (المادة ج من كتاب تعيين ‘لجنة الاختزال’). ويجتهد قادة بارزون من الجمهور اليهودي في اسرائيل جدا في أن يسجنوا بين أسلاك وجدران فصل أكبر عدد من أبناء البلاد الفلسطينيين. وقد بالغ في المدة الاخيرة وزير الخارجية الاسرائيلي الذي ليس هو من المولودين في البلاد كما تعلمون الذي اقترح أن تُضم منطقة المثلث ووادي عارة الى المنطقة الفلسطينية بين جنين ورام الله التي نسميها ‘دولة’.

ومع ذلك ينبغي ألا ننكر وجود فرق بارز واحد بين ايام ‘لجنة الاختزال’ في براغ وايام خطة برافر مثلا في اسرائيل: ‘ففي براغ في سنة 1714 كان اليهود هم الذين عانوا من الاضطهاد وعدم العدل’. أما في اسرائيل فان اليهود هم الذين يؤيدون القمع وعدم العدل. وعلى أثر ذلك تثور عدة اسئلة صائبة لاذعة يصعب تجاهلها وهي: هل الدولة التي أخذت تتبنى خطاب الاضطهاد الذي عانى منه اليهود مدة أجيال يحق لها أن تسمى ‘دولة يهودية’؟ أليس استعمال مصطلح ‘يهودية’ في وصف اسرائيل بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت وميري ريغف والتي أصبح اضطهاد شعب آخر ومطاردة اللاجئين هويتها أليس فيه إهانة شديدة للشعب اليهودي الذي اضطهد مدة أجيال؟ أوليس من المناسب أن يُقترح على قادة ‘الدولة اليهودية’ في ايامنا صدورا عن كرامة الشعب اليهودي التاريخي، أن يفكروا في صفة اخرى لدولتهم؟

 

هآرتس

حرره: 
ز.م