لا لليبرمان

بقلم: نداف إيال

في 15 حزيران أقر الكنيست القانون. وألقى وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان خطابا في الكنيست بارك فيه الخطوة التاريخية الهامة، لكن القرى العربية في وادي عارة والمثلث بقيت شبه فارغة أسابيع طويلة. تقريبا اختار نصف سكانها البقاء فيها، بينما فضل النصف الآخر محاولة البقاء داخل حدود دولة إسرائيل. فالقانون قرر أن كل شخص كان عنوانه بتاريخ 15 حزيران 2014 في إحدى القرى والبلدات المقررة يفقد بعد حوالي عام جنسيته، وخط الحدود سيمر شرقي هذه القرى. السكان استبقوا القرار.
والهاربون، كانوا بين عشرات ومئات الألوف، لجأوا إلى بيوت أبناء عائلاتهم، أو أنصار ـ من اليهود والعرب. إنهم لا يريدون أن يكونوا جزءا من دولة فلسطين. وأرسلت دولة إسرائيل رجال شرطتها للبحث عنهم في الأقبية وشرفات البيوت، والحدائق العامة، والمحميات الطبيعية، وفي الملاجئ. والمعتقلون باتوا فاقدين للجنسية، ولذلك فإنهم لا ينالون الحقوق الممنوحة للمواطنين الإسرائيليين. وتم اعتقال أغلبية الفارين، لكن بضع عشرات أخرى من الألوف ظلوا هاربين. وبديهي أن أبناء الهاربين لم يعودوا ينالون حقوق التعليم في المدارس أو الطبابة في صناديق المرضى، فقد غدوا من دون مكانة. والحكومة قررت أن كل من يضبط في إسرائيل بعد الأول من كانون الثاني 2016، يعتبر متسللا. وهكذا فإن مواطنين إسرائيليين ولدوا وترعرعوا في دولة إسرائيل وعاشوا فيها كل حياتهم غدوا خلال وقت قصير جدا مخالفين، جميعهم وبلا أي استثناء. ويسمح قانون التسلل باعتقالهم في معسكرات هائلة، ومعسكرات طرد. وقد رفض رئيس الحكومة ليبرمان موجة العقوبات الدولية ووقع على اتفاق تعاون آخر مع رئيس بيلاروسيا. وأعلن عن إنشاء قوة شرطة عسكرية خاصة: قوة لحماية الطابع اليهودي لدولة إسرائيل. وسوف يحاول ضبط العرب الهاربين.
لنبدأ من النهاية: هذا السيناريو لن يتحقق. و«مبادرة» تبادل السكان ونقل عرب المثلث ووادي عارة للدولة الفلسطينية مجرد كلام فارغ. وهي تتحرك في فضاء ضبابي يقع بين اللعبة السياسية التقليدية والوهم القومجي. وأنا أقصد أن المبادر للفكرة، ليبرمان، شخص ذكي ومتزن نسبيا. لذلك منطقي الافتراض أن كل ما سيكتب هنا معروف لديه، وأنه فكر به مسبقا، ورغم ذلك اختار أن يطلق لعالم الإعلام الإسرائيلي تصريحاته المتفجرة بأنه لن يدعم التسوية التي يقترحها جون كيري، إلا إذا تضمنت نقل وادي عارة والمثلث وباقي المناطق على حدود الطريق رقم 6 إلى الدولة الفلسطينية، بسكانها و هم مواطنون إسرائيليون سيفقدون جنسيتهم بين ليلة وضحاها. وعلى الفور سوف نحاول التكهن بشكل مشترك عن سبب بناء ليبرمان لهذه الخطوة الإعلامية السياسية، ولكن قبل ذلك يجدر بنا توضيح لماذا أنها وبكل بساطة مجرد هراء.
وكما يعرف وزير الخارجية جيدا، فإن إسرائيل، على الأقل حتى الآن، دولة ديموقراطية، وفي دولة كهذه يستحيل بالتأكيد اتخاذ قرار بشكل ديموقراطي عن نقل مناطق بشتى أنواعها إلى كيان وطني آخر كجزء من اتفاق سياسي مهما كان. بالضبط مثلما باع الفرنسيون لويزيانا أو عندما تخلى اليونانيون عن مطالبهم في أنطاليا، يمكن للدولة أن تقرر لنفسها وبالتنسيق مع جاراتها حدودها، ضمن افتراض أساسي بالاعتراف الدولي.
غير أن وزير الخارجية يعرف أيضا أن نقل هذه المناطق لا يمكنه، بذاته، أن يحدث الأثر المطلوب، وهو عمليا، التخلص من العرب مواطني إسرائيل. إذ بوسعهم أن يفقدوا بيوتهم وأملاكهم وحقولهم، لكن مواطنتهم ملكية خاصة. إنها حق لهم. لذلك فإن القانون الذي ستضطر الكنيست لاتخاذه -أيالقانون الذي يعرف ليبرمان أنه لن يقر، مزدوج: نقل منطقة هي وادي عارة للسلطة الفلسطينية، ومصادرة المواطنة الإسرائيلية من كل السكان هناك.
وهنا تبدأ المشكلة: لا شيء كهذا في دولة ديموقراطية. ليست هناك مصادرة جماعية للمواطنة، وبالتأكيد ليست هناك مصادرة جماعية للمواطنة استنادا إلى عنصر الدين. كذلك، فإن بوسع إسرائيل تعديل الحدود، لكنها سوف تضطر لمنح كل مواطن إسرائيلي يعيش هناك الحق في نقل مكان سكناه إلى داخل دولة إسرائيل، وأن ينال أيضا تعويضا مناسبا (وحينها ستبدأ مسرحية حقيقية: إسرائيل بيتنا سيقدم التعويضات السخية كالتي تلقاها من تم إخلاؤهم بسبب خطة الفصل أو من سيناء لعدة مئات من ألوف العرب). وبشكل واضح فإن ما يزعج ليبرمان ليس المكان الجغرافي لأم الفحم وإنما سكانها.
وهنا، على وجه العموم، تظهر الأمثلة التاريخية. لقد نشر ليبرمان هذا الأسبوع تعليقا في صفحته على فيسبوك تحدث فيه عن سوابق. وبالفعل حدث تبادل سكاني بين اليونان وتركيا في عشرينيات القرن العشرين وهي تشكل المثال التقليدي. في هذه الحالة كان تبادل السكان قسريا، وشمل مصادرة الجنسية، وكان الأساس دينيا. لكن ثمة مشكلة مع هذا المثال: إنه مثال فريد. لقد وقع قبل حوالي 100 عام وكان نتيجة سلسلة حروب دامية وتاريخ البلقان بالغ الوحشية. وقد تسببت بأضرار هائلة، خصوصا لتركيا، التي فقدت أجزاء منتجة وجوهرية من مجتمعها. وعززت أسس الاستبداد في كلا الجانبين، وأنشأت مخيمات لاجئين، وشطب جيل بأكمله، وكراهية متقدة باقية حتى يومنا هذا. وبالنسبة للأتراك، الطرف الأقوى، الطرف الذي خسر الأقلية الأكبر، كان الضرر بالغ الأهمية.
لكن منذ عشرينيات القرن الماضي حدث أمر فائق الأهمية في العالم: الحرب العالمية الثانية، التي انتهج فيها النازيون والفاشيون وبعد ذلك السوفيات أيضا سياسة قسرية لنقل السكان. وكانت النتائج كارثية جدا، وعنيفة جدا وغير إنسانية، بحيث تحول الأمر إلى شارة بشاعة الأنظمة القمعية.
في دولة ديموقراطية لا وجود لمصادرة جنسيات بشكل جماعي على أساس الدين، وتحديدا لا وجود لمصادرة جنسيات بشكل جماعي أصلا. وهاكم معطيات تفاهة تاريخية: إحدى آخر الأمم التي صادرت بشكل جماعي وعلى أساس ديني الجنسية من مواطنيها الشرعيين كانت فرنسا. فرنسا تحت حكم فيشي، خادمة ألمانيا النازية. هذا حدث بين عامي 1940 و1944 وهو ما سمح بإرسال عشرات ألوف اليهود إلى معسكرات الإبادة النازية.
ومرة أخرى فإن ليبرمان، وهو سياسي حذق جدا، يعرف جيدا أنه لن تتم مصادرة مواطنة مئات آلاف العرب الإسرائيليين. كما أنه يعرف أن القوانين الأساس في دولة إسرائيل، وليس فقط قانون المواطنة، وإنما أيضا القانون الأساس: كرامة الإنسان وحريته، تمنع ذلك. وهو يعرف أن المحكمة العليا ستصادق على تبادل أراض، لكنها سوف تمنع مصادرة المواطنة، وكل قانون كهذا يتخذه الكنيست سترفضه المحكمة العليا. وفضلا عن ذلك فإنه يعرف أن لا مجال للمقارنة بين المستوطنين ممن سيتم إخلاؤهم من أراضي يهودا والسامرة وبين عرب وادي عارة المتحولين إلى مواطنين فلسطينيين. المستوطنون كانوا وسيبقون مواطنين إسرائيليين. وهم سينالون تعويضات وسيحافظون على حقهم الطبيعي في العيش تحت سيادة إسرائيلية. أما العرب المقيمون في وادي عارة فإنه يريد أن يحرمهم من جنسيتهم. وهو يعرف أيضا القول الشجاع لوزير الداخلية جدعون ساعر هذا الأسبوع، الذي أعرب عن معارضة علنية لهذه المبادرة المخبولة، وهو ليس قول ورع واحد في سدوم.
ويتعذر حتى على الليكود تمرير هذه المبادرة. هذا قبل أن نتحدث عن الأسرة الدولية، والقانون الدولي ... وهلم جراً. فهيا نفترض أنه حتى إن كان ليبرمان يتخيل ويريد هذا الحل، فإنه يعرف أن فرص تحقيقه لا تزيد عن صفر. إذاً لماذا يقدم هذا الاقتراح الآن؟
ربما لأنه معني بتقليص تأثير دعمه للخطوة الأميركية، والتي في جوهرها تسوية تاريخية داخل أرض إسرائيل وإخلاء معظم المستوطنات. ربما ان ليبرمان يريد أن يجد نفسه في وضع يستطيع فيه أن يقول: لقد أيدت في خطوة مزدوجة التوقيع على اتفاق سلام مع دولة فلسطينية، يتضمن تقسيم القدس والعودة لحدود 67 شرط أن يشمل هذا أيضا نقل سكان. لكن المحكمة العليا/ نتنياهو/ اليسار/ امتدادات اليسار (اشطب الزائد) أحبطوا شرط تبادل السكان. هؤلاء اللطفاء. من جهة أخرى، لا خيار سوى دعم الخطة الأميركية، والتي هي أهون الشرين. وبديهي أن نتنياهو سوف يظهر، إذا تم رفض اقتراح ليبرمان، كما لو أنه يقع على يسار وزير خارجيته، وهذا هدف إعلامي لليبرمان. إذ يمكن لليبرمان أن يخرج من هذه القصة كبراغماتي (لأنه لن يصوت ضد الاقتراح الأميركي)، لكن كيميني أيضا بشكل عميق (في الأساس لأنه يثير ردود الفعل الأشد من جانب أعضاء الكنيست العرب).
بكلمات أخرى: ليبرمان يتمسك بتفاهات. ومن الجائز أنه يتمسك بتفاهات لأنه يريد القول انه يؤيد خطة كيري، «ولكن». أو أنه يتمسك بالتفاهات للقول انه يعارض هذه الخطة «إلا إذا». وفي كل الأحوال فإن التفاهات تبقى تفاهات، مجرد لعبة إعلامية، وجزء آخر من الحملة بالنسبة إليه.
ومفهوم أنه من الناحية الجوهرية الحديث يدور عن أمر فظيع، لكن إذا فحصنا سجل ليبرمان في تجسيد وعوده، فإن بالوسع أن ننام بهدوء (حتى في كفر قرع). فقد تحدث عن تغيير أسلوب الحكم إلى نظام رئاسي وفكر في انها أجندة حاسمة لمستقبل دولة إسرائيل. وهذا لم يحدث. وخاض الانتخابات على أساس شعار « لا مواطنة من دون ولاء»، ومع الاقتراح المخبول بإلزام الجميع بهذا التصريح كي ينالوا الحق في مواطنتهم. فهل هناك من يتذكر اليوم أين يوجد هذا القانون؟ وأين عقد الزوجية، وهو أحد المواضيع الأهم لدى جمهرة ناخبي ليبرمان؟
ليس في اقتراح ليبرمان هذا الأسبوع حول تبادل السكان أي أمر جديد. والجديد هو ما يتعلق بالربط الذي عقده بين الاقتراح ووثيقة كيري. وتشهد الرغبة في هذا الربط على أن ليبرمان أيضا شعر بأن القطار التاريخي قد يخرج قريبا من المحطة، فآثر هو الآخر أن يركبه، أو أن يستغله للتآمر ضد نتنياهو. هذه أمور خطيرة، ولكنها أيضا كلام يقع ضمن الحملات الانتخابية. وليبرمان يعيش في حملة. أما من ينبغي أن يقلق من كلامه أكثر من سكان المثلث فهو رئيس الحكومة نتنياهو.