شارون الإرث

بقلم: أسرة تحرير هآرتس
جسّد ارئيل شارون طيلة حياته العسكرية، من قيادة وحدة 101 وحتى مكتب وزير الدفاع، أكثر من أي شخص آخر نزعة القوة والزعرنة الاسرائيلية. من عملية قبية ومعركة المتلة وحتى احتلال بيروت في حرب لبنان الاولى، قاد شارون المرة تلو الاخرى مرؤوسيه الى عمليات موضع خلاف ومضرجة بالدماء. وساهمت جسارته في بناء الروح القتالية للجيش الاسرائيلي، وبلغت ذروتها في اجتياز قناة السويس التي رجحت الكفة في حرب يوم الغفران. بعد أقل من عقد من ذلك عزل من وزارة الدفاع، في اعقاب تقرير لجنة كاهان عن المذبحة في صبرا وشاتيلا. كان شارون في انجازاته مثلما في اخفاقاته، يجري الحكم لنفسه، يستخف بالمسؤولين عنه ويكذب في تقاريره.
ان نزعة القوة، كراهية العرب والاحتقار بالسياسيين ميزت شارون في حياته السياسية ايضا، التي بدأت بمبادرته الناجحة لإقامة الليكود في 1973. كان سيد المستوطنين وملأ الضفة الغربية وقطاع غزة بعشرات المستوطنات الضارة والزائدة. عارض كل اتفاقات السلام التي وقعتها اسرائيل مع جيرانها. وحجيجه الى الحرم في صيف 2000 كان الشرارة التي اشعلت الانتفاضة الثانية. وحتى في اواخر حياته السياسية عاد شارون ليروج ما سمعه من أمه، "لا تصدق العرب".
ولكن من اللحظة التي جسد فيها حلمه وانتخب رئيسا للوزراء، تغير نهجه. فعندما القيت المسؤولية العليا عليه، تمسك شارون بقيود القوة. فقد رأى اهمية عليا في ضمان الدعم الأميركي لإسرائيل، وامتنع عن اعمال كان من شأنها ان تعرضه للخطر. وخلافا لصورته المتسرعة في الماضي، فعندما صار في الحكم اتخذ القرارات ببطء وبحذر، ونفذها فقط بعد ان ضمن التأييد الجماهيري والاسناد من واشنطن. هكذا خرج الى متأخرا الى حملة "السور الواقي" كي يوقف هجمة العمليات الانتحارية؛ هكذا وافق على اقامة جدار الفصل، خلافا لموقفه السابق. هكذا اخلى المستوطنين من قطاع غزة في "خطة فك الارتباط"؛ وهكذا امتنع عن الهجوم على المنشآت النووية في ايران، وفضل اعمال احباط هادئة من الموساد. اخلاء غوش قطيف، الذي كان ارثه السياسي، ثبت سابقة مهمة واظهر بان الاستيطان ليس خالدا.
خليفتا شارون، ايهود اولمرت وبنيامين نتنياهو خرجا عن الخط الذي وضعه. اولمرت انطلق الى حرب زائدة في لبنان وحملة هدامة في غزة. نتنياهو أبدى ضبطا للنفس في استخدام الجيش، ولكنه خرج عنه العلاقات مع الولايات المتحدة. منذ رحيل شارون، ينقص اسرائيل الزعامة التي تعترف بقيود القوة، تحافظ على الحلف مع أميركا، تبدي جسارة سياسية في المناطق ولا تخاف من المستوطنين.