التهديد الذي لا يراه يعلون

بقلم: آري شبيط
أحبّ موشيه يعلون، فبوغي انسان ذو قيم وذكي، قليلون هم امثاله في القيادة الاسرائيلية العليا. كان كيبوتسيا مخلصا، وضابطا ممتازا ورئيس هيئة اركان متفوقا. وتوقع الانتفاضة الثانية قبل أن تنشب، فاستعد لها، وأسهم اسهاما حاسما في القضاء عليها. وطور يعلون، عندما كان لواءً وفريقاً أيضاً، فكراً عسكرياً جديداً، وسلك سلوكا يختلف جدا عن صورته الصارمة. يملك وزير الدفاع يعلون منهجا، وهو متعمق يعرف كيف يتغلغل الى أدق التفاصيل بصورة غير موجودة عندنا. لكنه في الاسبوع الماضي قال لشمعون شيفر كلاما غير موزون وغير مسؤول ما كان يجوز أن يُقال. ليست المشكلة فقط في أن وزيرا اسرائيليا كبيرا قال عن وزير الخارجية الاميركي ما قاله يعلون عن جون كيري. إن المشكلة في أن كلام وزير الدفاع أظهر حقيقة أنه لم يستوعب التهديد الرئيس الذي تتعرض له دولة اسرائيل اليوم.
لنبدأ بالأخبار الطيبة. إن القوة الرئيسة التي كانت تهدد دولة اسرائيل منذ انشائها كفت عن تأدية عملها – وقتا ما – بصفتها قوة فاعلة. فالقومية العربية الحديثة هي التي حاولت القضاء على اسرائيل في العام 1948، وهي التي هددت اسرائيل في العام 1956 وفي العام 1967، وهي التي هاجمت اسرائيل في العام 1973. وقد تسلحت القومية العربية الحديثة ونظمت نفسها وانشأت تهديدا دائما لحدود الدولة اليهودية. لكن القومية العربية الحديثة تنتقض عراها اليوم، ولم تعد أكثر الدول القومية العربية تنجح في أن تسلك سلوك دول حقيقية. وأصبح أكثر الجيوش العربية ظلالا لأنفسها فلا يوجد جيش سوري يملأ الجولان ولا يوجد جيش عراقي يجتاز الاردن، والجيش المصري جيش صديق غارق الى عنقه في شؤون بلده الداخلية.
إن التهديد العسكري العربي لإسرائيل لم يزُل، لكنه دخل في عقد تعليق. إن وزير الدفاع حينما ينظر من نوافذ مكتبه الى الشرق الاوسط يستطيع أن يقول لنفسه إن وضعنا اليوم من الجهة العسكرية لم يكن قط أفضل مما هو الآن.
لكن اليكم الاخبار السيئة. في السنوات التي أصبح فيها التهديد العربي من قبل الدول معلقا أصبحت اسرائيل تواجه تهديدين وجها لوجه وهما التهديد النووي وتهديد ما دون الدول. إن صدا (عنيفا) لإيران قد يسبب حريقا من نوع ما، والاستسلام (الخطير) لإيران قد يشعل سلسلة حرائق من نوع آخر. وفي مقابل ذلك قد يتحدى "حزب الله" اللبناني، و"القاعدة" السورية و"حماس" الفلسطينية و"الجهاد العالمي" اسرائيل بمواجهات شديدة غير متكافئة. إن التفوق التكنولوجي يمنح اسرائيل قوة عسكرية كبيرة تستطيع أن تواجه هذه الأخطار. لكن اسرائيل تستطيع أن تستعمل قوتها العسكرية التكنولوجية اذا كانت تُرى فقط دولة عادلة تدافع عن نفسها بصورة اخلاقية.
لهذا فان التهديد الرئيس الذي يتعرض له أمن اسرائيل اليوم هو على الخصوص التهديد الثالث، في الجبهة الخلفية الخفية على الناظر. إن التهديد هو أن ينكسر الجليد الدقيق للشرعية الذي نخطو فوقه، تحت أرجلنا. والخطر هو ألا تستطيع طائراتنا المتطورة أن تقلع من قواعدنا المحصنة لأن العالم لن يسمح لها بأن تفعل ذلك. إنه الخوف النابع من ألا يكون وضعنا في الجانب السياسي متداعيا أبدا بهذا القدر.
وهكذا فان التحدي الاستراتيجي الرئيس الذي يفترض أن يواجهه وزير الدفاع الحالي يختلف عن كل ما سبقه. فليست المشكلة في هذه المرة قوة العرب بل فقدان الغرب. والمشكلة في هذه المرة هي أن وضعنا في العالم سيئ في حين أنه جيد في المنطقة. إننا سنسوي أمورنا مع الجيران، لكننا اذا خسرنا آخر حلفائنا فإننا مقضي علينا. إن غور الاردن مهم، لكن وزارة الخارجية الاميركية أهم. والترتيبات الامنية مطلوبة لكن البيت الابيض حيوي. ويجب على حكومة اسرائيل كي تسير في الطريق الطويل، الذي يضمن قوة اسرائيل ومستقبل اسرائيل، أن تعامل جون كيري باحترام وأن تُجل مبادرة كيري السلمية وأن توافق عليها.