مفارقة المفاوضات

بقلم: تشيلو روزنتال
التسريب المقصود في حديث مارتين اينديك، المبعوث الامريكي لمحادثات السلام بين اسرائيل والفلسطينيين بتكليف من وزير الخارجية جون كيري، والذي يفيد بانه ستتحقق تسوية يتمكن فيها 80 في المئة من المستوطنين اليهود البقاء في أماكنهم في اطار اتفاق تبادل الاراضي بين اسرائيل والفلسطينيين، والذي سيقوم على اساس خطوط الرابع من حزيران 1967، يأتي ليشكل بالون اختبار قبيل الحسم المقترب في المحادثات الجارية بين اسرائيل والفلسطينيين برعاية الامريكيين. منذ البداية ينبغي التشديد على أنه لا يوجد اي يقين في أن يتوصل الطرفان الى اتفاق لا مرحلي ولا نهائي لان المسائل موضع الخلاف على ما يكفي من التعقيد. اضافة الى ذلك، حتى لو جاءت تصريحات اينديك لفحص رد فعل الطرفين، فليس فيها اي جديد. منذئذ وحتى اليوم، وأغلب الظن من اليوم وحتى زمن طويل آخر، يعرف الجميع مقاييس الحل المطلق، إن لم يكن الكامل. فالمحادثات السرية بين الطرفين تأتي للقضاء على الاحابيل والتدخلات من الجهات المعادية لكل تسوية، ولكن يمكن بيقين القول بانه لا يوجد اي تغير جوهري في الخطط والهياكل عن طبيعة التسوية. نحن بعيدون عنها بعدا شديدا جدا.
دنيس روس، المبعوث الامريكي للمحادثات بين اسرائيل والفلسطينيين، وفي واقع الامر سلف اينديك، يقول في كتابه ‘عن السياسة’ الامور التالية: ‘المسيرة (المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين، تش. ر) انتهت في نهاية عهد ادارة’ كلينتون بفشل المفاوضات على المسائل الجوهرية للنزاع: القدس، الحدود، الامن واللاجئين. وكواحد من مهندسي المفاوضات وكمن شارك فيها، أعرف بان الفوارق في نهاية المحادثات كانت قابلة للجسر. اعرف ايضا بانه رغم خيبات الامل والفائدة التي خابت على مدى المسيرة فان الاتفاق كان ممكنا، وكذا ايضا آمن الشعبان والوفدان للمفاوضات’.
وتجدر الاشارة الى أن دنيس روس يلقي بالذنب على عرفات رافض سلام لم يكن مستعدا لان يتغير ويصبح زعيما بل فضل البقاء ثوريا خالدا. في حينه وجدنا المذنب وشنقناه في ميدان المدينة، غير أنه منذئذ يوجد زعيم آخر، ابو مازن، وانتقل قطاع غزة الى أيدي رجال حماس، ولا تتوقف جولات تبادل الضربات بين الطرفين، وما كان حاضر. فكيف نفسر ذلك أن عرفات لم يعد منذ زمن بعيد ولا يوجد اتفاق مع الفلسطينيين؟
لقد كانت مبادرات امريكية ومحادثات بين فلسطينيين واسرائيل حتى الشبع. ورئيس الوزراء السابق، ايهود اولمرت، يصر على ادعائه بانه لو لم ينهِ’ مهام منصبه كرئيس للوزراء بسبب الشبهات ضده، فأغلب الاحتمال ان الطرفين كانا قريبين جدا من الاتفاق. لنفترض أن اولمرت محق في قوله. فلا يزال يبقى دون جواب السؤال المركزي: هل في وضع اتفاق يحصل فيه الفلسطينيون على أكثر من 90 في المئة من عموم اراضي يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، الكتل الاستيطانية الكبرى تبقى في يد اسرائيل وتجري تبادلات للاراضي، فهل ستجد مسألة القدس ومشكلة اللاجئين حلولا لهما ايضا؟
بالنسبة لنا، لا يوجد اي احتمال في أن تكون في الوضعية السياسية الراهنة في اسرائيل اغلبية لتقسيم القدس. ولا بد ان الامور تنطبق على حق العودة للاجئين ايضا. معقولية أعلى بكثير الا يكون الفلسطينيون جاهزون، باي حال، للتنازل عن شرقي القدس وعن حق العودة. وكدليل، في الجولة الحالية من المحادثات ايضا، كما تسرب عنها، تتجه النية لان تكون شرقي القدس عاصمة فلسطين. ليس في اسرائيل ولا في اوساط الفلسطينيين أغلبية سياسية لاتفاق من هذا النوع. وبالضبط هنا المفارقة: فالكل يعرف ما هو الحد الادنى الذي يرغب كل طرف في أنه يحققة في المفاوضات، مثابة على جثتي، غير أن الكل يعرف بان الوصول الى اتفاق على ذلك متعذر الان. ومع ذلك يواصل الطرفان في ذات الصيغة. لا يوجد اتفاق اكثر واقعية مما عرض حتى الان. ما سيقرر هو الجرأة السياسية لزعيمي الطرفين وحساب المنفعة والخسارة. الادعاءات تجاه الفلسطينيين معروفة جيدا وخسارة تكرارها. اسرائيل برئاسة نتنياهو وائتلافه ليست ناضجة لخطوة دراماتيكية كهذه. وحسب افضل فهمي، فنحن لا نزال بعيدين جدا عن هذا الوضع. من غير المستبعد أن يكون الحل الفوري اتفاق مرحلي وتوافق على استمرار المفاوضات. وحتى في حينه فان الواقع السياسي في اسرائيل لن يتمكن من احتواء الواقع.