كيف نتفادى المقاطعة؟

بقلم: مارك هيلر

في أعقاب خطاب وزير الخارجية الامريكي جون كيري في مؤتمر ميونخ للامن في 1 شباط 2014، سُئل كيري هل يؤمن بالفعل بقدرته على ‘انهاء الموضوع′ (بين اسرائيل والفلسطينيين) وبدلا من أن يرد على السؤال مباشرة اجاب كيري انه مليء بالامل ويعمل بكد لهذا الغرض وذلك لأن آثار فشل المحادثات ستكون قاسية على كل الاطراف المعنية.

واستعرض باختصار الاثار السلبية المحتملة على اسرائيل وقال: ‘… توجد حملة متعاظمة من نزع الشرعية. الناس حساسون جدا لهذا. يتحدثون عن المقاطعات وأمور من هذا النوع. فهل سيكون لنا جميعا وضع افضل مع كل هذه الامور؟’

هذه الملاحظة العفوية من كيري أشعلت عاصفة انتقاد في اسرائيل. وادعى بعض المحللين بانه يعرض التهديد كي يضغط على اسرائيل للموافقة على التنازلات. ووصف وزير الشؤون الاستراتيجية، يوفال شتاينتس اقواله بأنها ‘ضارة، غير نزيهة ولا تطاق’، أما وزير الاقتصاد نفتالي بينيت فقال: ‘نحن نتوقع من اصدقائنا في العالم أن يقفوا الى جانبنا في مواجهة محاولات المقاطعة اللاسامية ضد اسرائيل لا ان يكونوا بوقا لها’.

ليس واضحا لماذا اختار منتقدو كيري تفسير تحذيره كتهديد مباشر، ولا سيما عقب حقيقة أن وزير المالية، يئير لبيد، نشر تحذيرا مشابها قبل بضعة ايام فقط من خطاب كيري في ميونخ. في كل حال، يمكن أن نتوقع من زعماء وطنيين مسؤولين ان يكرسوا انتباها لصلاحية تحليل كيري أكثر من دوافعه المحتملة.

وكان تعقيب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اكثر دقة بقليل. وعلى حد قوله ‘لن يدفعني اي ضغط لاتنازل عن المصالح الحيوية لدولة اسرائيل، وعلى رأسها أمن مواطني اسرائيل’.

ومع أن هذه الصياغة تدخل الامور في سياق معين الا انها لا تزال تتملص من مسألتين. الاولى تتعلق بفورية التهديد وحيوية المصالح، ولا سيما الاقتصادية، التي توجد ظاهرا في خطر بسبب نشاط الـ BDS التي تدفع المقاطعة، سحب الاستثمارات والعقوبات الى الامام. والمسألة الثانية تتناول حيوية المصالح الامنية التي ستتعرض للخطر كنتيجة للمساعي لصد تهديد المقاطعة. والتقدير الواعي وحده لهذين التهديدين وللمساحة بينهما يمكنه ان ينتج رد فعل اكثر دقة للمعضلة، التي تفاقمت في أعقاب تصريحات كيري.

لا يوجد رد مفهوم من تلقاء نفسه على المسألة الاولى. واضح أن حجم العقوبات الاقتصادية (والمقاطعات الاخرى في مجالات الثقافة والتعليم العالي) ازداد في الاشهر الاخيرة. ففي كانون الثاني 2014 فقط قررت الشركة الاكبر في هولندا لادارة صناديق التقاعد سحب استثماراتها من البنوك الخمسة الكبرى في اسرائيل. ومنعت وزارة المالية النرويجية شراء أسهم شركتي بناء كبريين في اسرائيل لصندوق التقاعد الحكومي العالمي لديها، والبنك الاكبر في الدانمارك اضاف بنك هبوعليم الى قائمة الشركات التي لا يبدي الاستعداد للاستثمار فيها. ومع ذلك، فالصورة من زاوية نظر اسرائيلية مختلفة. إذ اعلنت كبرى شركات الطيران الامريكية لوكهايد مارتين عن خططها لمشروع بحث وتطوير مشترك مع EMC- شركة امريكية لتكنولوجيات التخزين، التي تقام في بئر السبع. كما كشفت النقاب شركة Haier المنتجة الصينية الكبرى لمنتجات الالكترونيات والكهرباء المنزلية، بانها تعتزم اقامة مركز تحديث في اسرائيل و ودسايد، المجمع الاسترالي في مجال الطاقة، اشترى جزءا من حقل نفط بحري بملكية مشتركة لثلاث شركات اسرائيلية.

هذه الاشارات المتضاربة تتيح تطوير توقعات مختلفة حول الميول في المستقبل، وفي كل الاحوال، فان هذه التوقعات تتأثر بقدر كبير بمصالح شخصية وميول سياسية. فمثلا، استطلاع للرأي العام اجري في اطار مشروع ‘مقياس السلام’ يظهر أن 42 في المئة فقط من المشاركين في الاستطلاع، ممن يتبنون اراء يمينية، يعتقدون بانه ستفرض عقوبات خطيرة على اسرائيل، مقارنة بـ 71 في المئة من المنتمين لليسار.

كما يتبين من الاستطلاع ان 61 في المئة من المشاركين الذين ينتمون الى اليمين يؤمنون بان اسرائيل يمكنها أن تتحمل عقوبات من هذا القبيل دون أن تغير سياستها، مقابل 32 في المئة من اليسار يعتقدون ذلك. في نظرة اولى يخيل أن هذه النتائج لا تنسجم وحقيقة أن الردود الاكثر هستيرية على تصريحات كيري جاءت بالذات من الجانب اليميني من الخريطة السياسية، تلك التي تبدو وكأنها اكثر هدوء بالنسبة لاحتمال فرض عقوبات وقدرة اسرائيل على مواجهتها.

تفسير منطقي محتمل لهذا التناقض هو ان اليمينيين يعارضون فكرة انه توجد اي علاقة بين العقاب الاقتصادي لاسرائيل وبين السياسة التي يعارضون تغييرها، وأنهم يلقون بآمالهم على نوع من ‘الخلاص غير المرتقب’ الذي سيحمي عند حلول الوقت اسرائيل من كل اثر لمثل هذا العقاب.

 

ومع ذلك، من الصعب الاختلاف مع حقيقة أن اسرائيل هشة جدا تجاه مقاطعة من هذا القبيل، ولا سيما من جهة اوروبا التي مثلما تظهر النماذج أعلاه، هي المصدر المرتقب الاكبر لها. في نهاية المطاف، فان اقتصاد اسرائيل، الذي يميل نحو التصدير، متعلق باوروبا كهدف لنحو ثلث تصديره وكمصدر مركزي للاستثمارات الخارجية المباشرة التي تحرك قطاع التكنولوجيا لديها .

مفهوم أنه لا يمكن ان نحسب بالكمية حجم وقوة العقوبات الاقتصادية المستقبلية و تأثيرها الدقيق على التشغيل ومداخيل الدولة.

ولكن سيكون من قبيل عدم المسؤولية من جانب زعماء في اسرائيل الاستخفاف بهذا التهديد او التظاهر بانه يمكن معالجته بمجرد الحملات الاعلامية او التنديد بالجهل، وانعدام الاخلاقية أو الازدواجية الاخلاقية او الدافع اللاسامي كل هذا لن يجدي.

ما الذي يمكن مع ذلك عمله لمواجهة المشكلة دون تعريض ‘امن مواطني اسرائيل’ للخطر؟

مفهوم أن السلام الشامل مع الفلسطينيين يكاد بيقين يلغي او يشكل كل محاولة اخرى لنزع الشرعية عن اسرائيل بكل سبيل، اقتصادي او غيره. ومع ذلك، فان احتمال تحقيق ذلك منوط بالفلسطينيين بقدر لا يقل عنه باسرائيل ـ الحقيقة التي يميل الكثيرين ممن ينتقدون اسرائيل الى تجاهلها.

ولكن الى أن تتقلص الفجوات بين الطرفين الى النقطة التي يبدو فيها حل النزاع ممكنا، فان اسرائيل ملزمة بان تدرس مبادرات اخرى تساعدها على منع أو تخفيف حدة تهديد العقوبات. ولحظها، فما يبدو سطحيا كمصعد للتأييد الجماهيري للعقوبات ليس هو ما يقبع في أساس دوافع النواة الصلبة لاعضاء الـ BDS. فبؤرة المشكلة ليست في مسائل مثل ‘دولة ديمقراطية ذات طابع يهودي مميز′ على حد قول كيري في ميونخ، او قول في ان اسرائيل تستخدم احيانا القوة في الدفاع عن نفسها، ولا حتى في استمرار الاحتلال بحد ذاته، بل بالذات الفهم بان اسرائيل لا تبدي التزاما كاملا بحل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني بوسائل سلمية، مثلما يظهر من الجانب الاكثر ظهورا لسلوكها خلف الخط الاخضر بالبناء في المستوطنات.

القليلون جدا من المقاطعين ذوي الاهمية يطالبون ان تتنكر اسرائيل لطابعها اليهودي، تنسحب بشكل احادي الجانب او حتى تفكك مستوطنات قائمة قبل الوصول الى اتفاق. معظم الخطاب والنشاط يتركز في مسألة واحدة: استمرار البناء في المستوطنات. والاستنتاج المنطقي هو ايضا السبيل الاكثر وعدا لاحباط التهديدات ذات الطاقة الكامنة الخطيرة على الامن الاقتصادي لاسرائيل: تجميد البناء الجديد في المستوطنات.

مثل هذا العمل ليس ضمانة لان تتقدم المفاوضات نحو اتفاق يعطي جوابا لاحتياجات اسرائيل الحيوية أو حتى ضمانة لان تستمر. فبعد كل شيء، تجميد سابق استمر عشرة اشهر جلب ابو مازن الى طاولة المفاوضات في الشهر العاشر فقط وكنتيجة لضغط أمريكي لا ينقطع. كما أنه لا ضمانة في أن يمنح التجميد اسرائيل حصانة شاملة ضد أنواع اخرى من الادعاءات وان كان سيضع الحكومة في وضع افضل لصد مثل هذه الادعاءات. ان تجميد المستوطنات سينزع من نشطاء الـ BDSالرافعة الاكثر نجاعة التي يستخدمونها لتحريك الدعم الحكومي والجماهيري الواسع لهدفهم، ولا سيما في اوروبا.

مفهوم ان خطوة من هذا القبيل اشكالية من ناحية سياسية، ويحتمل أن ترفض بحجة أنها تشكل هجرا لالتزام رئيس الوزراء الحفاظ على المصالح الحيوية لاسرائيل في ضوء ممارسة الضغوط، حتى قبل ان يتحقق هذا الضغط. ولكن من أجل الشرح بشكل مقنع لماذا من الصحيح من جانب الحكومة التمسك بموقفها، عليها أن تشرح لماذا يعتبر استمرار البناء في المستوطنات حيوي لامن مواطني اسرائيل.

نظرة عليا