ميركل في القدس

بقلم: براك ربيد

لم تعد العلاقات بين اسرائيل والمانيا اختلافا بين اصدقاء بل حليبا فسد. حاولوا في ديوان رئيس الوزراء في الايام الاخيرة ان يعطوا القمة بين حكومتي اسرائيل والمانيا التي انطلقت في طريقها في مساء الاثنين في القدس، صورة احتفالية. لكن الـ 15 وزيرا الذين جاءوا الى اسرائيل في حاشية المستشارة انجيلا ميركل، والاعلام الخفاقة والمراسم الفخمة والسجاد الاحمر وقص الاشرطة ليست اكثر من زينة فوق ندوب بقيت في العلاقات بين الدولتين بعد خمس سنوات من حكم نتنياهو.
التقت ميركل بعد وقت قصير من هبوطها في اسرائيل، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على عشاء. ‘جئت الى هنا مع كل حكومتي الجديدة تقريبا’، قالت المستشارة في تصريح قصير قبل اللقاء. ‘نريد أن نبين لكم انها صداقة حقيقية، صداقة نريد ان تستمر. وسنتحدث في الجهد الذي تبذله المانيا للحفاظ على امن مستقبل اسرائيل. ان طريق ضمان ذلك هو حل الدولتين للشعبين، دولة يهودية والى جانبها دولة فلسطينية’.
في 2007 تم عقد لقاء القمة الاول بين حكومتي اسرائيل والمانيا. فقد بدأت ميركل هذا التقليد مع رئيس الوزراء آنذاك اهود اولمرت الذي كانت تراه صديقا شخصيا. وبعد لقاء القمة ذاك جعلت ميركل غايتها ان تزور القدس في كل سنة مرة على الاقل. بيد ان قدم المستشارة لم تطأ اسرائيل في السنوات الثلاث الاخيرة.
تمت زيارة ميركل الاخيرة للقدس في كانون الثاني 2011 في جو متوتر وانتهت بنغمات منفرة بسبب الاختلاف العميق في الرأي بينها وبين نتنياهو فيما يتعلق بالثورة في مصر وبالشأن الفلسطيني ايضا. وقد عبرت آنذاك عن رأيها في سياسة رئيس وزراء اسرائيل بخطبة صادقة مفتوحة في معهد بحوث الامن القومي في تل ابيب.
ان الاختلافات في الرأي وعدم الثقة الذي كان يصبغ العلاقات بين المستشارة ورئيس الوزراء آنذاك اخذت تقوى فقط على مر السنين. فقد كان كل لقاء تقريبا أو مكالمة هاتفية بين الاثنين في تلك السنوات مصحوبا بمشاحنات وتوترات بل بصراخ احيانا. وكانت ميركل تشعر مرة بعد اخرى بأن نتنياهو في احسن الحالات لا يفي بوعوده لها في الشأن الفلسطيني وأنه في اسوأ الحالات يكذب عليها ببساطة.
ووجدت ميركل نفسها وهي اكبر صديقة لاسرائيل في اوروبا في وضع لم تعد تصدق فيه ببساطة كلمة واحدة تخرج من فم نتنياهو. وترى الزعيمة الوحيدة في اوروبا التي تعلن من فوق كل منصة ان اسرائيل دولة يهودية وتطلب الى الفلسطينيين الاعتراف بذلك ترى سياسة حكومة نتنياهو الاستيطانية انها تسعى في زعزعة وجود ومستقبل تلك الدولة اليهودية بالضبط.
توقفت المشاحنات بين ميركل ونتنياهو في السنة الاخيرة فلم تعد ترتفع الاصوات ولم تعد توجد تصريحات غاضبة لوسائل الاعلام. وليس سبب ذلك تحسنا كبيرا للعلاقات بين المستشارة ورئيس الوزراء بل بالعكس. فقد ضاقت ميركل ذرعا بالجدل والخصام مع نتنياهو، وضاقت بالاكاذيب وخلصت الى استنتاج انه لن يؤثر أي شيء تقوله في الحقيقة في سياسة نتنياهو فيما يتعلق بالمستوطنات أو مسيرة السلام. وادركت المستشارة ان هذا التيس لن يوجد منه حليب فرفعت يديها استسلاما ببساطة.
ان زيارة ميركل الخاطفة مدة 24 ساعة ترمي في الاساس الى رفع علامة الانتصار فوق اللقاء السنوي بين الحكومتين، والى الحفاظ على جمرة العلاقات باسرائيل. وان الجدول الزمني ضئيل ومتكلف ولا توجد مضامين حقيقية. سيبتسم الجميع امام عدسات التصوير ويظهرون ان الامور كالعادة، لكنهم سيحصرون العناية في الغرفة المغلقة في تلاوة بصوت موحد لاوراق الرسائل المضروبة. وستكون في النهاية ايضا صورة مشتركة بين الوزراء من الطرفين وتركب ميركل طائرتها دون ان تنظر الى الخلف.
حينما لا يوجد شيء افضل يقال، فان الدبلوماسيين ذوي الخبرة قد اعتادوا ان يستعملوا الكليشيه المبتذل الذي يقول ان اهمية الزيارة هي في مجرد حدوثها. وان هذا القول هذه المرة دقيق باكثر معانيه حرفية. ان العلاقات الخاصة بين الدولتين في خطر وذلك على الخصوص في وقت قريب من يوبيل انشاء العلاقات بين اسرائيل والمانيا الجديدة. ولا يوجد اليوم بين كبار مسؤولي الحكومة في برلين ونظرائهم في القدس حوار حقيقي ومفتوح وودي، فلم يعد الامر اختلافا بين اصدقاء بل اصبح مجرد حليب صار حامضا.

هآرتس