عودة السوفييت

بقلم: نداف ايال
الحرب الباردة لم تعد، إذ من أجل أن تكون حرب باردة ينبغي أن يكون طرفان: أمريكيون مصممون، حازمون ودهاة، حيال سوفييت ذوي نزعة قوة لا تقل. من عاد هم السوفييت فقط، متجسدين في شخصية بوتين. وهم يقفون وحدهم في الساحة، يعملون دون منازع على أفضل العقائد القديمة للاتحاد السوفييتي. طلب مساعدة من الدولة ‘المعتدى عليها’؟ موجود. بيان عن ‘خرق حقوق المواطن’ والذي يتطلب تدخل فوري من موسكو؟ موجود. زعيم تابع يلعق أحذية أسياده الروس؟ موجود. أهلا وسهلا الى بودابست، او براغ، أو لشبه جزيرة القرم 2014.
ولكن النقطة هي ان الروس وحدهم. لان الغرب لا يبدي التصميم الكفاحي كي يضع أمامهم تحدياً حقيقياً من القوة. منذ انهيار الاتحاد السوفييتي سيطرت العولمة على الحياة الدولية. اعتبارات اكبر فأكبر تملي قرارات الزعماء في الغرب. ولا يطرأ الى ذهن الرئيس اوباما ان يخرج قوات امريكية الى كييف، يعرض على الحكومة الاوكرانية قطارا جويا عسكريا او حتى ان يتحدث بنبرة عدوانية، باسلوب ريغن، ضد بوتين. هناك حاجة الى اثنين من أجل رقصة التانغو، ومن أجل الحرب الباردة هناك حاجة الى طرفين مستعدين للقتال، ولا يوجد سوى طرف واحد كهذا. وهو يجلس في موسكو وعن حق اختير هذه السنة بانه الزعيم الاكثر تأثيرا في العالم.
جوهريا، بالطبع، يدور الحديث عن ذروة الازدواجية. فالروس يخطبون للعالم كله عن الحاجة الى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، من ايران وحتى سوريا. وهذه ظاهرا هي العقيدة التي خلقوها لانفسهم. ولكن كم هو سخيف سماع وزير الخارجية الامريكي جون كيري يحاول التعلق بهذه الاقوال العليلة هي يحرج موسكو. فكيري يعرف بان هذه الاقوال كانت كاذبة دوما وان الروس الذين قالوها يعرفون بانها قيلت ككذبة مكشوفة للجميع واكثر من هذا: فقد عرف الروس بان كيري يعرف بانهم يكذبون. ما أملى سياستهم في سوريا ينهي سياستهم في شبه جزيرة القرم. قوة روسيا، نفوذها والرغبة في مواصلة الحفاظ على مكانتها في العالم. اذا كان هذا يبرر خطابات عن الحكم الذاتي المقدس للسيادة، فسيسر سيرجيي لافروف ان يلقيها. واذا كانت حاجة للخطابة عن خرق حقوق الروس المساكين في القرم (اي خرق؟ متى تمكنت الحكومة الجديدة في كييف من عمل شيء؟) فان لافروف النشط سيتصدى للمهامة.
الفني الافضل هو بالطبع بوتين. زعيم روسيا بات بعيدا عن الصورة التي خلقوها له. مصالحه واضحة واعماله جلية كالبلور في الكرملين. فهو يعمل من اجل القوة ويفعل ذلك بشكل عديم الكوابح ويثير الانفعال، في ظل استخدامه لكل صندوق ادوات متخذ القرارات الكلاسيكي، من العنف عبر الاستخبارات والدبلوماسية. فتثبيت الحقائق على الارض، سير جنود صامتين بلا علامات تشخيص، هي تقنية بمثابة تطوير داهية جدا للتقنيات السوفييتية. السوفييت كانوا يدخلون الدبابات. اما بوتين فيدخل جنودا مجهولين. والنتيجة هي ذات النتيجة. اوكرانيا فقدت شبه جزيرة القرم. وقريبا قد تفقد عدة محافظات شرقية. المجد للام روسيا وما شابه.
اوكرانيا ستبقى فقيرة، منقسمة، مهددة ومهانة. الجمهوريات حول روسيا ستتعلم الدرس. درس معنى الثورة ضد موسكو. والغرب سيحتج بشدة وسيقاطع حتى لقاء الثمانية العظام (بوتين يرتجف من الخوف: اوباما لن يأتي الى سوتشي للقاء!). وقد تكون عقوبات رمزية.
الموضوع هو ان الضعف والفراغ يستدعيان المزيد من القوة والمزيد من العمل. من لا يعرف كيف يقف في مواجهة بوتين في اوكرانيا، قد يجد نفسه مع الظهر الى الحائط في مكان آخر تماما. هذا منوط فقط ببوتين.