لا تستطيع إسرائيل توقيع اتفاق مع أبو مازن

بقلم: د. رؤوبين باركو

قبل اللقاء الاخير بين الرئيس اوباما ونتنياهو لوحظ أن الأميركيين كانوا يتسرعون – وهم الذين برهنوا على تتابع اخفاقات قاتلة في الشرق الاوسط بخاصة – في أن ينتزعوا بكل ثمن انجازا في التفاوض "الثلاثي" من اسرائيل خاصة. ويُستخدم عنصر الزمن الآن في دعاوى الرئيس ليقول: "اذا لم يكن الآن فمتى؟"، حقا؟.

أجل إن عند موظفي الامبراطورية الأميركية المتداعية حاجة ملحة الى اعطاء الادارة الحالية انجازا ما، ولا سيما أن الروس، الذين يزدادون قوة، بدأوا يستخفون بهم في اوكرانيا وسورية ومصر واماكن اخرى في العالم. بيد أن من لا يعرف المثل العربي "الصبر مفتاح الفرج"، والآية القرآنية: "والله مع الصابرين"، فانه لا يعرف الشرق الاوسط. ويبدو أن الأميركيين لم يسمعوا ذلك.

قد يكون الأميركيون لاحظوا عند عدد من الاسرائيليين، ممن يهمسون في مسامعهم، ميلهم المتسرع الى نتائج هنا وفورا (مثل "السلام الآن")، وبكل ثمن. ولهذا يحثوننا وكأنه لا يوجد غد. بيد أنهم لم يدركوا أن نتنياهو، الذي يعتقد أنه يوجد ايضا غد يجب الاهتمام به، غير مصاب بهذا التسرع وهو يعمل في قضايا أمن اسرائيل في نضج ومسؤولية. ولم يلاحظ الأميركيون ايضا ميل الفلسطينيين الى الاعتماد على الصبر بصفته عاملا اعتقاديا ونتيجة تكتيك عربي جماعي. وينتظر الفلسطينيون باستعداد وتأهب ويطلبون المزيد ازاء السياسة الأميركية المخطئة.

إن محاولة الأميركيين أن يُرقصوا على أنغام الجاز راقصي "التانغو" مع راقصي هز الوسط لا تنجح في الأساس بسبب مشكلة الايقاع. وإن تحذير اوباما من أن "نافذة الزمن مع الفلسطينيين أخذت تُغلق" يُبين عدم فهم الادارة الأميركية لحراك السلام المأمول الذي يفترض أن يجسد نهاية الصراع باعتبارها حدثا تأسيسيا بين الشعبين لا فرصة لمرة واحدة معلقة بإنسان فانٍ هو أبو مازن.

إن تحريش اوباما على البناء في المستوطنات باعتباره عقبة أمام السلام، وتحذيره من التهديد السكاني الفلسطيني الذي يشمل "عرب اسرائيل" ايضا، وتحذيره من أن احراز الاتفاق يصبح في كل يوم أصعب يمنح الفلسطينيين اسبابا جيدة للتحصن في مواقفهم وانتظار ابتزاز آخر.

إن أخطر تحذيرات اوباما هو زعمه أنه يجب على اسرائيل أن تنتهز الفرصة وأن تبادر الى تنازلات واتفاقات لأن الرئيس الفلسطيني المعتدل، أبو مازن، سيمضي بعد قليل، والويل لكم مما سيكون بعده. وهو يُبين للأذن الفلسطينية التي أخذت تصم أنه اذا رفضت اسرائيل الاقتراحات الأميركية فلن تستطيع الولايات المتحدة بعد ذلك أن تصمد أمام ضغوط المجتمع الدولي على اسرائيل. كيف قال براك؟ لو كنت فلسطينيا...؟ ولو كنت أبو مازن لاستمررت في التشدد واظهار الغضب. إن شخصا آخر يقوم بالعمل بدلاً منه.

إن اوباما بصفته ديمقراطيا كان يفترض أن يعلم أن اسرائيل تريد سلاما مع الشعب الفلسطيني لا مع زعيم لمرة واحدة، مختلف بشأنه، حلو اللسان، وسينهار كل شيء حينما يمضي، والعياذ بالله. واوباما بصفته ديمقراطيا كان يفترض أن يعلم أن أبو مازن لا يتمتع بأي اجماع دستوري أو شعبي بين الفلسطينيين، ولهذا فان توقيعه المحتمل على الاتفاق هو بالنسبة اليهم مشهد مرفوض.

إن اسرائيل لا ترغب في ورقة مؤقتة لا قيمة لها، بل ترغب في اتفاق قابل للبقاء يبقى حتى بعد ذهاب أبو مازن "العظيم". ويجب أن يعبر الاتفاق المطلوب عن حالة وعي ثابتة للسلام عند الشعب الفلسطيني وعن استعداده لاحترام الاتفاق الآن وفي المستقبل. بيد أنه حتى أبو مازن يزعم أن "حق العودة" هو "فردي". وهو يزعم أنه لا يمثل الارادة الجماعية للشعب الفلسطيني ولا يستطيع أن يتخلى باسمهم عن القضية الجوهرية المركزية في الصراع. فهو باختصار لا يقدم البضاعة المطلوبة. وفي هذه الاثناء تستمر المؤسسة الحكومية والدينية الفلسطينية في تغذية الشعب الفلسطيني على اختلاف أجياله بالتحريض على الحرب و"العودة" الى فلسطين التي تعني القضاء على اسرائيل. فاذا تخلينا عن أملاكنا الامنية في اطار الاتفاق الأميركي "المتسرع" فسنضطر آخر الامر الى أن نُحدث أشباحا لأن أبو مازن واوباما لن يكونا حولنا كما يبدو.

حرره: 
م . ع