هل يئس كيري من اتفاق الإطار؟

بقلم: حيمي شليف

خلافا لتقارير عديدة في وسائل الاعلام، لم يتخلى وزير الخارجية الامريكي جون كيري تماما بعد عن الطلب بان يعترف الفلسطينيون باسرائيل كدولة يهودية: حاليا يحاول فقط ادخاله في حالة توازن. قبل بضعة ايام من وصول محمود عباس الى واشنطن، قال كيري لاعضاء لجنة الخارجية في مجلس النواب ان أهداف تحقيق السلام واقامة دولة فلسطينية لا ينبغي أن تقوم أو تسقط على موضوع الاعتراف ولكن هو ايضا يفهم بان هذه محاولة لاغلاق أبواب الاسطبل بعد أن فرت الجياد منه.
فقد كان الامريكيون شركاء في جعل مطلب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الاعتراف كدولة يهودية عبارة دائمة في لغة المفاوضات السياسية. وقد تبنوا المطلب دون التفكير مرتين ولم يحركوا اصبعا حين أصبحت هذه دعوة المعركة الجديدة لمؤيدي اسرائيل في الكونغرس، في المؤسسة اليهودية وفي الرأي العام في امريكا وفي اسرائيل. وفقط بعد أن أزعجه اعضاء لجنة الخارجية المرة تلو الاخرى بموضوع الاعتراف، كشف كيري عن خيبة أمله المتعاظمة وفهمه المتأخر بان هذا البند الهامشي يهدد بافشال مساعيه لتحقيق تسوية.
لقد اعتقد الامريكيون بانه سيكون ممكنا بالمساومات خلف الكواليس تسوية المشكلة، استنادا الى ما ذكره كيري في جوابه. قرار التقسيم للامم المتحدة في 1947 والاقوال التي قالها عرفات لوسائل الاعلام في صالح الطابع اليهودي لاسرائيل. في المقدمة لمبادرة جنيف، التي لم يذكرها كيري، والتي صيغت بعلم القيادة الفلسطينية كلها، ورد صراحة بان ‘هذا الاتفاق يشير الى الاعتراف بحق الشعب اليهودي بدولة والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بدولة، دون المساس بالحقوق المتساوية لمواطني الطرفين’.
ولكن العائق الصغير سرعان ما اصبح غير قابل للاجتياز، بل ويشرح كيري لماذا. ‘اعتقد أن من الخطا من جانب أناس معينين طرح هذا الموضوع المرة تلو الاخرى كعامل حاسم’، قال كيري. فيما أن مقصد شكواه واضح. فكلما رفع نتنياهو مستوى الصوت في طلبه، كما يعتقد الامريكيون، يقل الاحتمال في ان يتمكن عباس من الاستجابة له؛ وكلما جعلت اسرائيل بند الاعتراف كل شيء، هكذا يتخذ في الطرف الاخر صورة رمز الاستسلام والامر المستحيل، حتى بالنسبة لزعيم اكثر شجاعة من عباس.
‘الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية معناه أن يعترف الفلسطينيون بان روايتهم كاذبة’، قال هذا الاسبوع زعيم يهودي فخور في نقاش مغلق في نيويورك، والفلسطينيون يميلون الى الموافق على تفسيره. كما أنهم يجدون صعوبة في الاكتفاء بالوعد بان الامر لن يمس بالفلسطينيين من مواطني اسرائيل، مثلما يسمونهم، ولا سيما في الوقت الذي يسمي فيه نتنياهو الكنيست ‘يهودية’، وزير الخارجية يقترح نقل مئات الالاف منهم الى سيادة فلسطينية والكنيست تسن قانون قدرة الحكم الذي يدحر العرب، خلافا لرأيهم، نحو اقامة واحد ووحيد.
لم يعلن الامريكيون اليأس من امكانية عرض إطار لمبادىء مع تحفظات يتيح استمرار المفاوضات، واوباما لا يزال يأمل بان ينتزع من عباس تنازلات تسمح بذلك، ولكنه دوافعهم آخذة بالتبدد. ويأتي الزعيم الفلسطيني الى واشنطن بينما رأس الرئيس غارق في أزمة محتدمة مع روسيا في أوكرانيا، بينما يتبين له مثلما قدر في البداية، قبل هجوم كيري بان الليمونة الفلسطينية لن تخرج له عصيرا.
والان يبدو أن لدى كيري ايضا تظهر بوادر اليأس. فقبل بضعة ايام فقط قال ان مدى عدم الثقة بين الاسرائيليين والفلسطينيين أعلى من أي وقت مضى، ولكن لعل يده هو ايضا ساهمت في ذلك. فالاعتراف باسرائيل كدولة يهودية بدا للامريكيين شعارا قابلا للاستيعاب ومعقولا، بل ان بعضهم اعتقد أنه بطرحه، يمنع نتنياهو عباس ورقة مساومة جديدة لم تكن تحت تصرفه. ولكنهم لم يأخذوا بالحسبان بان هذا المطالب يوقظ النمر من مربضه ويعيد الطرفين الى موضعهما الاصلي، صخرة وجودهما ومبرر كفاهما منذ البداية.

هآرتس