اوباما يحج الى الرياض

زلمان شوفال

قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية التقى فوق متن المدمرة الامريكية ‘كوينسي’ التي كانت ترسو في البحيرة المرة في مصر، رئيس الولايات المتحدة روزفلت والملك إبن سعود وأتما الحلف الامريكي السعودي الذي يقوم على ‘الامن عوض النفط’. والآن، بعد 69 سنة بدأ الحلف تنتقض عُراه فسارع الرئيس اوباما في يوم الجمعة الى الرياض لمحاولة رأب الصدع وليقوي الخيوط من جديد.

يجب أن نتذكر أن امريكا برغم زيادة انتاجها لطاقتها الذاتية ما زالت تستورد من السعودية 15 بالمئة من النفط الذي تستهلكه. ونشك في أن يكون اوباما نجح في جهوده لأن ‘النقض’ جاء منه هو نفسه، وأصبح السعوديون يفقدون أكثر فأكثر ثقتهم باتجاه سياسته الخارجية عامة وفي الشرق الاوسط خاصة. وقد غضبت القيادة السعودية العليا من الدور السلبي الذي أدته واشنطن في رأيها في عزل الرئيس مبارك، وهي تنتقد معاملتها الباردة الآن للقيادة المصرية الجديدة برئاسة الجنرال السيسي، وتغضب من رفضها إمداد المتمردين في سوريا بوسائل قتالية وللتحول الامريكي الى الوراء في شأن السلاح الكيميائي السوري. وهي تسأل عما يبدو في نظرها عدم فهم امريكيا مطلقا لتأثيرات الربيع العربي، وهي مثل اسرائيل تنظر في شك وقلق في استقرار رأي اوباما على تقليص الوجود العسكري للولايات المتحدة والآثار التي ستكون لذلك على حليفات امريكا في الشرق الاوسط.

كل ذلك قائمة جزئية فقط، لكن أكثر ما يغضب الرياض ويجعلها تشك بقدرة الولايات المتحدة على القيادة سياسة ادارة اوباما المتعوجة نحو المشروع الذري الايراني، وهي سياسة تبدو في نظرها خاطئة غير صارمة حتى إنها لتبلغ الى التسليم بحصول ايران على القدرة الذرية. ويبدو أن الرئيس اوباما حاول أن يقنع القيادة السعودية بأن سياسته نحو ايران تعمل في مصلحة السعودية وحليفاتها الخليجية ايضا. لكن ينبغي أن نفرض أن هذه الدعوة لم تسبِ في الحقيقة قلب الملك عبد الله والقيادة السعودية العليا الذين يرون أن عداوة ايران هي على الهيمنة والتأثير في الشرق الاوسط، فهؤلاء يخشون من أن تقوى مكانة طهران الاقليمية إما على إثر احراز سلاح ذري وإما بسبب التناغم الذي أخذ ينشأ بينها وبين امريكا.

والرياض قلقة ايضا من امكان أنه اذا أعلنت امريكا وشريكاتها بأن التفاوض مع ايران قد بلغ الى نتيجة ايجابية (دون انتظار ورؤية هل انتهى الحافز الذري عند طهران حقا)، ورأت واشنطن ذلك ذريعة اخرى لنقل مركز سياستها الخارجية والامنية من الشرق الاوسط الى الشرق الاقصى وأن يطلق بسبب ذلك عنان نشاط ايران التآمري في المنطقة. وترى القيادة العليا السعودية حولها جبهتي مواجهة عسكرية تنفصلان آنا وتتداخلان آنا: بين القوس السنية بقيادتها والقوس الشيعية بقيادة ايران من جهة، وبين المعسكر السني المعتدل برئاستها وبين الاخوان المسلمين الذين يمثلون اسلاما سياسيا يعرض للخطر مكانة نظم الحكم السنية القديمة من جهة اخرى. إن هذه التناقضات الداخلية في المعسكر السني أفضت مؤخرا الى اعادة سفراء السعودية وامارات الخليج الاخرى ومصر من قطر التي استعملت سياسة تؤيد الاخوان المسلمين في مصر وهذا نهج أفصحت عنه في الأساس شبكة ‘الجزيرة’ التي مركزها في الدوحة عاصمة قطر.

لسنا نعلم هل أزاح لقاء عبد الله واوباما من الطريق بعض العثرات في العلاقات بين الدولتين أو لا، لكن بحسب الاشارات الخفية التي نشرت بالتصريحات التي أدلي بها بعد ذلك، يبدو أنه برغم الابتسامات الظاهرة بقيت الاختلافات الاساسية في الرأي على حالها ولا سيما في القضية الايرانية.

وما هي الآثار على اسرائيل؟ برغم أنه لا ينبغي الحديث عن علاقة ما رسمية ظاهرة في المستقبل القريب بين السعودية الوهابية واسرائيل، ويشهد على ذلك رفض الاذن لمراسل صحيفة ‘جيروزاليم بوست’ الذي هو من واشنطن، فان تقارب المصالح بينهما في موضوعات مثل ايران ومصر والاخوان المسلمين وما أشبه يُحدث واقعا جديدا ذا جوانب ايجابية ممكنة.

ولتعزيز هذا الوضع الجديد قد تستطيع اسرائيل أن تفحص من جديد عن مبادرة السلام السعودية بشرط أن تُحذف منها المواد والتعريفات التي أعطتها في وقت مضى صبغة إملاء بدل أن تكون عرضا ممكنا للتفاوض.

اسرائيل اليوم