الافراج عن بولارد يشهد على يأس كيري

بقلم: حيمي شليف
لاحظ العالم النفسي الامريكي روبرت كاستر، وهو من رواد العلاج الطبي للمقامرة القهرية، لاحظ ثلاث خطوات أساسية في الطريق الى الادمان وهي أنه يبدأ بمغامرة ثم ينتقل الى الخسارة وينتهي الى مرحلة اليأس التي يفقد فيها المقامر حسن تقدير الامور ويعرض للخطر مبالغ متزايدة من المال. ويثير جون كيري باستعداده أن يضع الافراج عن الجاسوس جونثان بولارد على الطاولة الآن، يثير الظن في أنه بلغ الى المرحلة الثالثة.
إستل كيري من كُمه ورقة أص كبيرة من الاوراق التي تملكها الادارة الامريكية كي لا يُدفن الزمن والطاقة والسمعة التي أعطاها ليدفع قدما بمسيرة السلام بين اسرائيل والفلسطينيين. وكان يفترض أن يحظى مقابل المقامرة الجريئة بمبلغ متواضع، هذا مع عدم المبالغة، قياسا بالاتفاق الدائم الذي تحدث عنه أولا بل مباديء الاطار التي استلها بديلا عنه وهي الافراج عن سجناء وتجميد ‘صامت’ للمستوطنات مقابل تمديد مدة التفاوض الذي لا يعلق عليه آمالا سوى قليلين.
قد يكون اجراء كيري اسهم في واقع الامر في الانفجار الذي وقع أمس: فحينما رأى الفلسطينيون أن المقابل الضئيل الذي يفترض أن يحصلوا عليه من اجراء منتصر في ظاهر الامر كالافراج عن بولارد، قلبوا الطاولة وأعلنوا توجها الى مؤسسات دولية. لأنه اذا كان يُتحدث عن بولارد فلماذا لا يُتحدث عن البرغوثي ايضا.
وفي امريكا أثار الافراج عن بولارد التساؤل الذي تحول بالتدريج الى عدم ارتياح ثم تحول الى عدم رضى. ‘هذه علامة على ضعف ويأس لا يفيدان الرؤساء ووزراء الخارجية’، زعم الدبلوماسي السابق أرون ميلر. نحن سعداء للافراج عنه، أعلن اييف فوكسمان من رابطة مكافحة التشهير، لكن لا في اطار التفاوض بين اسرائيل والعرب. وقال السناتور جون مكين ايضا: ‘أنا اؤيد الافراج، لكن ربط الادارة ذلك بمسيرة السلام يثير الغثيان’.
يجب ألا نبالغ بالطبع: فقد صار الامريكيون أقل اهتماما ببولارد مما كانوا في الماضي. فلن يهدد رئيس وكالة الاستخبارات المركزية جون برينن بالاستقالة اذا استقر رأي الرئيس اوباما على الافراج عن الجاسوس السجين، كما اعتاد أن يفعل سلفه جورج تينيت قبل 16 سنة حينما وزن الرئيس كلينتون خطوة مشابهة لاقناع نتنياهو بالتوقيع على اتفاقات واي. وسيكون بولارد أصلا مستحقا الافراج عنه بعد سنة ونصف، هذا مع الفرض المتفائل وهو أن تدوم صحته. ‘ربما يريدون التخلص منه سريعا كي لا يموت عندهم في السجن’، قال لي شخص امريكي شديد التهكم.
إن الشد والجذب هذين يميزان ردود أكثر المحللين دونما صلة بتصوراتهم العامة الأساسية. فاليمين من الصقور ممزق بين تأييده لاسرائيل وبين الحافز الى ربط الافراج عن بولارد بضعف اوباما العام في الشؤون الخارجية. فاليسار المعتدل مجبر على أن يُعادل بين تشجيعه لمسيرة السلام وبين تحفظه من تفضل سيُرى انجازا كبيرا لنتنياهو. ومن المؤكد أن الجمهور اليهودي الذي امتنع أصلا عن الانضمام عن اقتناع الى النضال المعلن للافراج عن بولارد، من المؤكد أنه سيراوح بين الشعور بالحمد للخلاص وبين الخشية من أن تثير اضواء المصابيح التي ستسلط على السجين المشهور، شيطان ‘الولاء المزدوج’ الذي يهربون من وجهه وكل ذلك قبل أن نتحدث عن ‘مهرجان بولارد’ الذي من المؤكد أنه سيجري في اسرائيل اذا وحينما يُفرج عن بولارد.
ويمكن ايضا أن نجد تفسيرا منطقيا بالطبع على استعداد الامريكيين لأن يدفعوا الكثير فجأة مقابل القليل جدا ألا وهو الرغبة في الحفاظ على هدوء مصنوع. ففي الوقت الذي يوجد فيه اوباما في مواجهة شديدة مع بوتين حول الازمة في اوكرانيا، فان آخر شيء يحتاجه هو اشتعال في الساحة الاسرائيلية الفلسطينية قد يستتبع ايضا خصومات داخلية بين الادارة الامريكية ومجلس النواب. وربما يكون هذا هو ما قاله كيري لاوباما حينما توسل للحصول على الافراج عن بولارد منحة اخرى في المحادثات مع نتنياهو، لكن اشخاصا في وضعه يقولون كل شيء كما تعلمون لأن الشيء الأساسي عندهم هو أن يستطيعوا الاستمرار في اللعب.