نتنياهو عبقري في التلاعب

بقلم: داني سبكتور
في كل مرة يحذر فيها كيري من أننا سنكون ‘دولة أبرتهايد’، وفي كل مرة يستخف فيها وزير الدفاع موشيه يعلون بأمريكا، وفي كل مرة يحذر فيها بنيامين نتنياهو مرة اخرى من القنبلة الايرانية أتوق للاتصال بغروسمان. ولكن دائما لديه ذات الجواب: ‘أنا أكتب الان يا صديقي، عميقا في كتابي القادم، ولا اعنى بالشؤون السياسية حاليا’.
ولكن حتى لصبر الكاتب الرائد في اسرائيل يوجد حد. ‘كل ما يحصل الان يشتعل جدا’، يحاول مرة اخرى التملص في البداية. ‘ولكني أكتب كتابا يأخذ مني الكثير من القوة وأنا أريد أن اكون فيه. ليس عندي دافع ما منفلت العقال لاقوال رأيي، ولكني أعتقد بان بوسعك أن تخمن ما أشعر به هذه الايام’.
ساعدني
‘ما أشعر به تجاه القرار بوقف المفاوضات؟ مخاوفي شديدة جدا مما سيحصل اذا لم تكن هنا مفاوضات مع الفلسطينيين ومما سيحصل بيننا وبينهم. كما أني اخشى مما سيحصل للمجتمع في اسرائيل ولنا كدولة’.
وها هو يفهم منذ الان بانه تحدث ربما أكثر مما خطط له، ويفر مرة اخرى نحو الصمت: ‘لكن دعك، أنا اوجد الان في مكان كتابة يتطلب مني صراعات اخرى، يتطلب مني قوة. الانتقال الى الحديث عن السياسة مثل الانتقال الى الحديث بلغة اخرى. وأنا لا اريد أن افعله في هذه اللحظة. عندما ينتهي الكتاب وعندما يكون لي ما أقوله فساقوله’. ولكن لا تقلقوا، لاحقا انكسر بسرعة.
قبل بضعة اسابيع في ساعات الصباح، نزل غروسمان كعادته الى قبو بيته، كي يبدأ يوما آخر من الكتابة الطويلة التي تستغرق حتى ساعات المساء المتأخرة.
‘فتحت المذياع وسمعت النائب ايلي يشاي يتحدث عن مظاهرات المهاجرين الكبرى التي جرت بعد يوم من ذلك في حديقة الورود أمام الكنيست. وقد اقترح بحكمته على رئيس الوزراء بأنهم اذا كانوا جميعهم على اي حال يحتشدون هناك، فلماذا لا نحشرهم في الباصات ونبعث بهم الى المعتقل؟’.
أفترض أنك لم تتفق مع ما قاله
ببساطة استفزني. فيوجد هنا نموذج لنوع من الوحشية، ليس مجرد وجع قلب،بل وحشية حقا. مجموعة كبيرة جدا من الاشخاص ممن وضعهم مصيرهم المر في حالة متعذرة. وظننت أن بودي أن اصل الى تلك المظاهرة. لم افكر حتى أن أتحدث هناك، وعلى الاطلاق لم أخطط لان أتحدث هناك. اعتقدت أني سآتي للنظر اليهم لرؤيتهم ليس كحشد بل كبشر، كأناس واحدا واحدا’.
في نهاية المطاف وصل غروسمان بالفعل الى المظاهرة بل وصعد للخطابة أمام الاف المهاجرين هناك. ونال الخطاب عناوين كبرى في الصحف، ولكن مثلما هو الحال دوما رفض الكاتب ان يوسع الحديث وأغلق على نفسه مرة اخرى في قبوه. والان بات مستعدا لان يشرح ما الذي بحث عنه هناك، ولماذا كان مهما له جدا اسماع صوته. ‘اعتقد ان علينا أن نكون اكثر حساسية تجاه مصير بني البشر’، يقول. ‘بالاساس بسبب ما اجتزناه على مدى كل تاريخنا’.
قلت هذا هناك، وعلى الفور ربطوا ذلك بالكارثة. ‘بالطبع في رد الفعل العادي في المجتمع الاسرائيلي حاولوا ان يعزو لي تشبيها بالكارثة، ولكن لم أقصد هناك. الكارثة لا يمكن تشبيهها بأي شيء آخر، وبالتأكيد وضع العمال الاجانب لا يشبه وضع اليهود في الكارثة. فمن السخيف حتى التفكير هكذا. ولكن نحن كشعب، حتى قبل الكارثة بكثير، عانينا من هذه النظرة الجامدة، التي لا تمييز فيها، ومن التشهير. ولاسفي أشعر في المجتمع الاسرائيلي أقل فأقل القدرة على معرفة الفوارق، القدرة على النظر بشكل تشخيصي الى الاوضاع والى الناس. فهذه هي الميزة اليهودية الدقة، النظرة المحدقة للعالم والتي تنزل الى التفاصيل وتلتزم بالتفاصيل’.
كيف تشرح هذا؟
لاننا مجتمع مفزوع جدا عاش في صدمة بشدة عالية. بسبب هذه الامور نحن غير قادرين على نشخص التفاصيل ونحن لسنا على اتصال بالواقع بل على اتصال بمخاوفنا. وبالطبع، لدينا رئيس وزراء هو حقا عبقري بمثل هذا النوع من التلاعب. وهو يعرف كيف ينبش المخاطر الحقيقية التي تقف امامها اسرائيل. وهي تقف امام مخاطر، انا لا اقول ان لا، ولكنه يعرف كيف ينبش المخاطر مع الاصداء الهائلة للصدمات من الماضي. ومجتمع كمجتمعنا، عانى جدا وضرب جدا، وهو مجتمع مصدوم، عديم الوسيلة امام هذا النوع من التلاعب لرئيس الوزراء’.
ليست اقوال يشاي هي وحدها التي أغضبت غروسمان، بل وخطاب نتنياهو في الاحتفال الرسمي لذكرى الضحايا في الكارثة، قبل بضعة أيام دفعه لان يخرج عن طوره. ‘كان هذا خطابا صادما. فقد نبش في صدمات الماضي مع المخاطر الحالية وعلى الفور دعا الى الانطلاق الى نوع ما من العمل بقوة وكأن القوة ستعالج كل المرض. في مثل هذا الخطاب كان من المناسب التوقف عند المصيبة والمأساة التي عاناها الشعب اليهودي دون الانتقال على الفور الى الهجوم على ايران’.
‘ ما الذي توقعته في خطاب كهذا؟
‘ يمكن لمس الناس في أماكن اخرى تماما بحيث تذكرهم ليس فقط بانهم جنود الامن بل وأيضا بنو بشر وقعت لهم مصيبة فظيعة ورهيبة. لابائنا وجيلنا أيضا. والا نعود مرة اخرى الى ايران والى هذه التشبيهات التي تتكرر كل الوقت. يوم واحد في السنة أن نتحد مع مصيبتنا فقط.
لا أقرأ كتبي مرة اخرى
رغم أنه منذ اشهر طويلة يقضي في قبوه، ينكب على كتاب جديد، يخيل أن غروسمان يعيش في حياتنا الثقافية أكثر من أي وقت مضى. عرض جديد حسب كتابه ‘قيمة الحب’ في المسرح في رمات غان، عرض مستقبلي وحسب ‘يسقط خارج الزمن’ في مسرح غيشر، فيلم ‘يوجد أطفال تذبذب’ في السينمات و ‘ايتمار يلتقي أرنب’ في الاوبرا الاسرائيلية. وهو يقول ‘ان هذا شعور طيب جدا. كما أنه رضى كبير ان يكون ما أكتبه جزءاً من عالم الناس الآخرين. وان يبعث ما أكتبه فيهم الرغبة في الخلق والابداع′.
‘ هل يسهل عليك العودة الى ما كتبته لتقرأه؟
‘ يصعب علي ان أقرأ كتبي. ولكني أفعل هذا احيانا حتى أتمكن من الاجابة على الاسئلة عما كتبت.
وعلى سؤالي عن حال كتابه التالي اجابني ‘جيد شكرا، حتى افضل من حالي’.
يديعوت