كذبة ‘الفصل العنصري’

بقلم: درور إيدار
يضرب جون كيري مرة اخرى، فبعد أن هدد في لقاء صحفي للقناة 2 بانتفاضة، ‘اذا لم توجد تسوية’، وبعد أن هددنا في ميونيخ بالمقاطعة، ‘اذا لم توجد تسوية’ يهددنا الآن بأننا سنصبح سريعا ‘دولة فصل عنصري اذا لم توجد تسوية’.
ووردت هذه الاكذوبة الكبيرة على لسان وزير الخارجية الامريكي الذي هو ‘الوسيط النزيه’. إن كيري لم ينشأ من العدم مثل وزراء خارجية آخرين في التاريخ، فله كتائب من الاسرائيليين يروجون للكذب. وهم يستعينون بوسائل اعلام كثيرة وفي مقدمتها الصحيفة التي كانت لها دولة ذات مرة وأصبحت اليوم فرعا من سفارة الولايات المتحدة في اسرائيل. إن العنوان الصحفي الرئيس في ‘يديعوت احرونوت’ قذفنا باكذوبة الفصل العنصري وعُزز بمقالة ناحوم برنياع التي أضافت الى ‘الفصل العنصري’ الكلمة الشيفرية ‘الاحتلال’.
يحاول برنياع أن يُسمع من الامم المتحدة: فللفلسطينيين رعاة كثيرون بل ‘صحيفة يومية في اسرائيل’. وهو يشير الى صحيفة ‘هآرتس′ اشارة خفية، لكن الزبدة فوق رأسه.
إن الراعية الرئيسة للقضية الفلسطينية وأكذوبة الاحتلال هي صحيفة برنياع التي كانت منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي بوق حركة سلام خائبة الرجاء.
لا يوجد احتلال لأن الاكثرية المطلقة من الفلسطينيين يعيشون تحت سلطة حكوماتهم: حماس في غزة وفتح في يهودا والسامرة مع حكم ذاتي سياسي وحكومة ووزراء وميزانيات ضخمة (يدخل الجزء الكبير منها في جيوب خاصة تمجيدا للغباء الغربي)، وشرطة وقوات أمن ووزارة خارجية. وصحيح أن الجيش الاسرائيلي في خضم ذلك، لكنهم ما كانوا ليزهروا من غيره بل كانوا سيصبحون موقعا ايرانيا بتفضل حماس.
هل ‘فصل عنصري’ عندنا؟ إن عرب اسرائيل ينتخبون للكنيست الاسرائيلية ويشاركون في الحياة العامة. واذا كانت الحياة هنا لعينة فلماذا لا يكون عرب اسرائيل في وادي عارة مستعدين للانتقال الى مناطق السلطة في حال ‘تسوية نهائية’؟ ولماذا يتوسل متسللون من افريقيا للبقاء ويطرق آلاف حدودنا؟ وكيف يمكن أن يوجد ‘فصل عنصري’ اذا كانت الطائفة المسيحية الوحيدة الأكثر تقدما في الشرق الاوسط تملك جنسية اسرائيلية؟ إن باقي المسيحيين في المنطقة وفي السلطة الفلسطينية ايضا أصبحوا أقلية مضطهدة وهرب كثيرون الى اوروبا وامريكا.
تعتقد صحيفة ‘يديعوت’ وعناصر في الادارة الامريكية أننا سنستكين ونصنع سلاما بوساطة تخويف اسرائيل بأكذوبة المقاطعة والفصل العنصري والتسونامي السياسي وسائر السخافات والتهديدات الفارغة. لكننا نريد سلاما، وما زلنا منذ مئة سنة نوافق على خطط التقسيم الأكثر فظاعة. وهم غير معنيين. إن عرب المنطقة متساوقون في هذه المسألة برغم وجود أجزاء من وسائل الاعلام تغطي على رفضهم.
اليكم المستقبل الذي يتوقعه برنياع (اليسار الاسرائيلي) لاسرائيل: ‘ستكون اسرائيل في المرحلة الاولى دولة فصل عنصري، مقاطعة ومحاصرة في العالم. وفي المرحلة الثانية سيفرض العالم علينا أن نصبح دولة ذات شعبين’.
لن يحدث هذا يا برنياع لا بسبب معجزة بل لأنه أكذوبة، واذا ناضلنا عن حقيقتنا ولم نردد الاكاذيب كما تفعل صحيفتك فسيتفهم العالم ذلك.
تصف مجموعات معروفة في العالم اليهود بأنهم يجذبون خيوط السيطرة على الحكومات المختلفة. ولبرنياع ولليسار الاسرائيلي ايضا (وممثليه في وسائل الاعلام العامة) يهود يخصانهما: وهم المستوطنون (كانوا الحريديين في مرات اخرى). ويرى برنياع أن ‘جماعة الضغط السياسية من اجل المستوطنات تمثل في الحاصل العام أقلية متطرفة فاسدة في نظر أكثر الاسرائيليين’.
هل أقلية؟ إن أكثرية ضخمة في المجتمع الاسرائيلي (ولا سيما الجمهور اليهودي) ترى المستوطنين طلائعيين مثاليين يشكلون حزاما أمنيا ماديا واخلاقيا في النضال العادل عن سيطرتنا على البلاد. لكنهم كانوا منذ ثلاثين سنة في صحيفة ‘يديعوت’ كيس الضرب وفريسة لما لا يحصى من الخطط الانتحارية السياسية من شمعون بيرس الى تسيبي لفني ومنهما الى جون كيري.
ليس الاسرائيليون هم الذين يئنون تحت ‘احتلال المستوطنات’ بخلاف كلام برنياع القبيح. فالعكس هو الصحيح: إن المجتمع الاسرائيلي الحر كان يئن منذ عشرات السنين تحت عبء سيطرة اليسار على وسائل الاعلام والاكاديميا ومراكز قوة اخرى. وليست المشكلة هي جون كيري بل ممثلي نظرية اكذوبة الفصل العنصري والاحتلال عندنا. وكما أن الصراع مع الفلسطينيين ليس على اراض بل هو صراع قومي وديني، فان الجدل عندنا في الداخل ايضا ليس على مستقبل يهودا والسامرة بل على هويتنا هنا في ارض الآباء. ويقع في البال في هذه المسألة أن اكثر المجتمع الاسرائيلي عنده أنباء لرفاق برنياع.

اسرائيل اليوم