دولة يهودية: لأننا نحس بالتميز

أوري اليتسور
الطلب الذي طرحه بنيامين نتنياهو على الفلسطينيين، للاعتراف باسرائيل كدولة يهودية، مثير جدا لغضب الفلسطينيين بل ومثيرة ايضا لغيظ غير قليل من الاسرائيليين، ممن يهربون كالنار من الموضوع اليهودي ومن كل صلة له بالدولة. في أساس هذا الطلب المبرر يقبع مطلب سياسي أخلاقي بسيط جدا: فما يسمى ‘النزاع الاسرائيلي الفلسطيني هو عمليا نزاع يهودي عربي، وسببه ليس الاحتلال أو المستوطنات لانه بدأ قبل ذلك بسنوات طويلة.
سبب النزاع هو الرفض العربي للاعتراف بحق الشعب اليهودي في دولة خاصة به وعمليا رفض الاعتراف بمجرد وجود شعب يهودي. عن ذلك يقول نتنياهو أمرا بسيطا ومنطقيا جدا: لن تكون نهاية للنزاع طالما لم يلغَ سبب النزاع. لعله ممكنا تقسيم البلاد بسلام بين الشعبين اذا اشار كل طرف الى الحدود المتفق عليها، ولكن لا يمكن التقسيم عندما يقول أحد الطرفين حتى هنا لي ومن هنا لاحقا ليس لك، وسنواصل الشقاق على ذلك.
هذا هو المعنى البسيط على السطح، ومثلما على كل شيء بسيط وصحيح ينبغي التكرار والحديث بكلمات بسيطة، وعدم السماح لمدعي الحكمة والاكاديميين بان يغطوه بغموض الجمل الملتوية وتشويشه بالكلمات الاجنبية ذات الـ 17 حرفا.
إذن ما هي الدولة اليهودية؟
ولكن من خلف كل هذا يختبىء أيضا موضوع أعمق وليس بسيطا، ليس موضوعا بيننا وبين جيراننا، بل بيننا وبين أنفسنا، وهو بالتأكيد يقلقنا ولا يريحنا: ما هي الدولة اليهوية؟ ما هي الفكرة وما هي الرؤيا خلف هاتين الكلمتين؟ من أجل أي غاية أقمنا الدولة اليهودية؟ فكل عظامنا تشعر بانه لا يحتمل أن تكون نشأت مجرد هكذا من أجل أن نكون طبيعيين ومرتاحين.
لا شك أن أحد الأسس لاقامة دولة اسرائيل كانت الرغبة الشديدة في الطبيعية. فقد مللنا أن نكون اليهودي المختلف والآخر وغير الطبيعي، أعطونا مكانا ما صغيرا تحت الشمس لنقيم فيه دولة ولنكون مثل الجميع. ولكن يتبين أكثر فأكثر بان الاساس المعاكس كان أقوى منه: أعطوا للشعب اليهودي العتيق والمميز العودة الى بلاده العتيقة والمقدسة ليعبر هناك عما فيه من خاص ومختلف.
بعد 66 سنة من إقامتنا دولة ديمقراطية مزدهرة ومتفتحة، لها انجازات عالمية غير مسبوقة في الاقتصاد، في العلوم، في الزراعة. غير أننا في التوراة، لا نزال بلا راحة وغير مستعدين لان نجلس بسكينة ونكتفي بما هو موجود. شيء يهودي جدا يزعجنا كل الوقت ويسأل من نحن والى أين نسير.
لكل الشعوب والدول عيد الحرية هو عيد الاستقلال. ولنا عيد الحرية لوحده وعيد الاستقلال لوحده. كل الشعوب تروي لانفسها ولاجيالها بان بداية وجودها كشعب في اعمال البطولة الرائعة والنبيلة ونحن نروي لانفسنا ولابنائها باننا كنا عبيدا لفرعون في مصر. فقد نشأوا وولدوا من الارض التي هي وطنهم، أما نحن فاصبحنا شعبا في مكان ما هناك في الصحراء البعيدة والمنقطعة، قبل وقت طويل من أن تطأ قدمنا أرض بلادنا. لابينا الاول قيل ‘إذهب إذهب من بلادك ومن وطنك الى البلاد التي أراك فيها’، ومعنى الأمر هو أن بلاد اسرائيل ليست هي البلاد التي جئنا منها بل هي البلاد التي نسير اليها. دوما.
وفي واقع الحال هذا لا يزعجنا وحدنا. فلا يوجد أي تفسير عقلاني للاهتمام الذي يبديه العالم بدولة اسرائيل، لكمية الزمن التي يكرسها الرئيس الامريكي ووزير خارجيته للقضية الاسرائيلية، وكأنه لا توجد في العالم مشاكل أكبر.
لا يوجد تفسير مقبول على العقل لزمن الشاشة الذي نحصل عليه في شبكات التلفزيون العالمية وحجم المكان الذي نحتله في صحف العالم، ناهيك عن عدد المداولات في قضيتنا في المحافل الدولية من مؤسسات الامم المتحدة وحتى مؤتمر وزراء الخارجية الاوروبيين واجتماعات الجامعة العربية.
150 ألف شخص يقتلون في سوريا، والعالم يهتم بخمسة أو عشرة يهود رسموا شعارات على حيطان مسجد. نحن نسأل أنفسنا من هي الدولة اليهودية وما هو معنى كونها يهودية، والعالم كله أيضا ينظر ويسأل ويعبر حسب طريقته عن خيبة أمل ما غير واعية من أنها مجرد دولة ومن توقع لن يتحقق.
نحن نطالب أنفسنا وغيرنا يطالبوننا بان نكون شيئا آخر، أن نكون دولة يهودية. ولكن ما هي الدولة اليهودية؟ سؤال معقد وثاقب، يتعلق بسؤال ما هي اليهودية؟ المسألة التي كل العلوم اليهودية لا يمكنها أن تجيب عليه، وفي سؤال ما هي الدولة، الذي كل علوم الدولة لم تجد له بعد جوابا متفقا عليه.
نحن لا ندعي الاجابة عليه هنا او الوصول الى تعريف متفق عليه. فقط سألنا سؤالا شخصيا ذاتيا: ما هي في نظرك الدولة اليهودية؟ شخصيات اسرائيلية مختلفة أجابت اجوبة متنوعة، منها منطلقة من التجربة ومنها فكرية ومنها موضع جدال. كلها احتفالية ومفعمة باحساس السمو الخاص بيوم الاستقلال الاسرائيلي الذي لا مثيل له في العالم.
معاريف/الموقع