نتنياهو في هذا الخِضَم

لا مناص من متابعة نتنياهو فيما يقول، لأن ما يقوله ينم عن الكثير من حيثيات التوجه الصهيوني في هذه الأثناء. ففي مؤتمر حزب الليكود الذي التأم مساء يوم أول أمس (الأحد 6/5/2012) أفصح رئيس حكومة الاستيطان والعدوان، عن رغبته في مباراة انتخابية سريعة، خلال أربعة أشهر، يقطف خلالها مكاسب صعود التأييد في المجتمع الصهيوني لتيار المتطرفين، على صعيد الرأي العام الإسرائيلي. أما تيار المتطرفين داخل حزب الليكود، فإنه يقلق نتنياهو، على اعتبار أن هذا التيار يعزز مواقعه داخل هذا الحزب، على حسابه هو شخصياً، وسيكون هو أمام أحد خيارين، إما أن يشطب النذر اليسير مما تبقى له من هامش الكذب السياسي، وبالتالي أن يتماشى مع الخط الأكثر غلاظة وتطرفاً بالقياس، داخل الليكود، وإما أن يُطيح به اصحاب هذا الخط، فيخسر مكاسبه الشخصية.

في خطابه أمام مؤتمر الليكود، عدّد نتنياهو ما سماها "نجاحات" حكومته. وبالإمعان في عناوين هذه "النجاحات" كما جاءت على لسانه؛ يتضح جلياً أنها لم تكن ممكنة، دون الهامش المتوافر له في خطابه السياسي، وهو هامش لن يتيحه له التيار المتنامي داخل الليكود. فهذا التيار يريد طي ملف موضوع التسوية نهائياً، وطرح موقف حاسم يؤكد على إدامة احتلال الضفة والاستمرار في رفض ما يسمونها "أية خطوات تجاه الفلسطينيين" . فعندما يقول مثلاً، إن من بين "نجاحات" حكومته، هو تمكنها من طرح الموضوع النووي الإيراني على الأجندة الدولية، وأن "العالم بات مجنداً ضد البرنامج النووي الإيراني"؛ يكون هنا في معرض المباهاة بقدرة هامش الخداع السياسي للعالم، على تحقيق مكاسب، بينما العناصر الأكثر تطرفاً في الليكود، وقد اوشكوا على الاستحواذ على تأييد أغلبية الحزب؛ لا يريدون حتى الهامش اللفظي الذي يخدع نتنياهو به العالم!

إنهم يتأهبون لدخول مرحلة المصارحة الوقحة مع المجتمع الدولي، لكي يقولوا جهاراً إنهم لا يريدون التسوية ولا يؤمنون بها، ومن لا يعجبه فليذهب لتبليط البحر!

* * *

في هذا الخِضم، وبشرح المكاسب المتأتية من احتفاظه بهامش الخداع في خطابه الخارجي؛ حاول نتنياهو أن يأخذ الحق في أن يقوم وحده، بتشكيل القائمة التي سيخوض بها حزبه الانتخابات العامة المبكرة، من خلال الفوز برئاسة الليكود. لكن كتلة المستوطنين في الحزب، بزعامة داني دانون، طلبت وأصرت على أن يكون الاقتراع سرياً ونجحت، واعتبرت الأوساط الإعلامية ذلك "إذلالاً" لنتنياهو. ومن المفارقات، أن صفقة التبادل مع "حماس" وإطلاق شاليط، رفعت شعبية نتنياهو وجعلته ـ حسب محللة إسرائيلية في معاريف ـ يقرر منذ شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 الدعوة الى انتخابات عامة مبكرة تجرى قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية، على أن تسبق الانتخابات الإسرائيلية العامة، انتخابات داخلية (برايمري) في الليكود. وفي هذا السياق، عمل نتنياهو بداية، على تحطيم حزب "كاديما" من خلال الدفع باتجاه انتخابات داخلية فيها، ونجح، وكانت تلك هي الخطوة الضرورية لإزاحة حزب قوي ينافسه!

إنه الآن يتجه الى انتخابات مبكرة، ويتوافق محللون على أن نتنياهو يتطلع الى ضربة ناجحة لإيران، دون تنسيق مع الولايات المتحدة، يُكرس فيها نفسه زعيماً تاريخياً من زعماء الصهيونية. وفي تطلعه هذا، كان طبيعياً أن يريدها مباراة انتخابية عاجلة، لأن الاستطلاعات اليوم، تعطي 65 مقعداً لكتلة أحزاب اليمين المتطرف من الحريديم ( الأصوليون اليهود الداعون الى تطبيق الشريعة اليهودية في إسرائيل، والمنغمسون في حياة طقوسية كاملة) ومعهم سائر أحزاب ومجموعات ما يسمونه "اليمين القومي". أما أحزاب اليسار ومعها الأحزاب العربية فإن الاستطلاعات نفسها تعطيها 55 مقعداً!

بقى أن نتحدث، في سطور اخرى، عن نقطة مهمة في هذا السياق، وهي حقيقة العلاقة القائمة على التفاهم وتبادل الأدوار، بين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان، وهي العلاقة التي سلط الضوء عليها محللون استندوا الى وقائع وشهادات مقربين من الرجلين. لكن اللافت في خطط نتنياهو ومناوراته، أن لا حسبة لديه لسياسة استراتيجية عربية، تحد من قدرته على الخداع، وهنا الطامة الكبرى!