حل آخر: دولة قومية لليهود ومواطنة متساوية للفلسطينيين

بقلم: اوري اليتسور
تعلن تسيبي لفني بانها ستعارض قانون القومية إذ أنها غير مستعدة لان تساهم في المس بالديمقراطية. مع كل الاحترام لوزيرة العدل، في اسبوع يوم الاستقلال حين يصدح في الهواء صوت بن غوريون الذي يعلن عن دولة، لا توجد أي حاجة على الاطلاق للجدال معها.
من كل سطر في وثيقة الاستقلال، من كل قصيدة كتبت في تلك الايام ومن كل صورة التقطت في شوارع الدولة التي ولدت لتوها، تصدر رسالة واضحة وبسيطة: في بلاد اسرائيل قام الشعب اليهودي وبالتالي اجتمعنا لنقيم له دولة. دولة اسرائيل اقيمت باسم الشعب اليهودي ومن أجله. هذه غايتها ومعنى وجودها ورغم ذلك فانها ستكون ديمقراطية وحرة وستمنح مساواة حقوق كاملة لكل سكانها دون فرق في الدين، الجنس (في حينه لم تكن اخترعت عبارة النوع الاجتماعي) أو القومية.
بتعبير آخر: لا يوجد أي تضارب بين دولة الشعب اليهودي وبين دولة كل مواطنيها. اسرائيل ستكون هذه وتلك في آن واحد. لو كانوا كتبوا الدستور لاسرائيل في يوم تأسيسها، ما كان أي شك في أن المادة الاولى في الدستور كانت ستقول ان اسرائيل هي دولة الشعب اليهودي. وما كان لاحد أن يحتج، لا داخل الدولة الوليدة ولا في العالم الغفير الذي يسارع الى الاعتراف بها كشقيقة جديدة في اسرة الدول الديمقراطية؟
لا تضارب بين الدولة القومية وبين الديمقراطية، بل ربما العكس: اذا لم نحافظ على غاية دولة اسرائيل ومعنى وجودها، ففي نهاية المطاف سيتعفن المجتمع الاسرائيلي وديمقراطيته على حد سواء وسيتفككان مثلما يحصل بشكل عام لوليد فج لفظ روحه.
إما أبرتهايد أو ملاجئ
ليس هذا سوى المقدمة لان نقول الان نقيضها. ينبغي تشريع قانون القومية لانه ضروري جدا ولا يمس بالديمقراطية، ومن هنا ينبع انه لو كان يمس بالديمقراطية، رغم ضرورته كان محظورا تشريعه. هذان العنصران اليهودية والديمقراطية هما متساويا القيمة وينبغي الحفاظ عليهما من كل ضر.
أسمع الاصوات التي تقول ان الديمقراطية ليست مكتوبة في التوراة ولا في رؤيا الانبياء، واذا كان ممكنا الحفاظ عليها فما هو الا خير، ولكن اذا لم يكن ممكنا فلا بأس. وثمة من يسيرون شوطا بعيدا لدرجة الكراهية والتنكيل بالغير بصفته غيرا، وثمة قصص تقشعر لها الابدان وتشمئز لها النفوس عن سائق درزي طلب ماء في مدخل مدرسة دينية فتلقى ضربات لانه غير.
دون الدخول الان في جدا ايديولوجي، ينبغي أن يقال أمر واحد حقيقي، مأخوذ من الواقع: إذا كان مست بالديمقراطية الاسرائيلية، لن تكون لنا دولة. فالديمقراطية هي عنصر أساس يربط معا اليهود الذين يسكنون في اسرائيل ويمنح لدولتهم ارادة الوجود.
من يمس بشدة بالديمقراطية سيفكك اسرائيل اليهودية الى دولتين وبعد ذلك سيحطمها الى شظايا. لا يحتمل أن يكون هنا لا ساكن مقيم ولا عبد كنعاني ولا مواطن من الدرجة الثانية، حتى وان كان هذا مكتوبا في التوراة. اذا صرنا دولة ابرتهايد فلن نكون على الاطلاق، ولن يجدي هنا أي تلوي فقهي.
جون كيري قال انه يخشى من هذه الامكانية، فشعرنا بالاهانة فإذا به يعتذر. ولكنه محق . اذا لم تكن دولة فلسطينية وبدلا من ذلك ضممنا يهودا والسامرة ولم نعطي حقوق مواطنة كاملة للعرب الذين يسكنون هناك، فبالفعل سنكون دولة أبرتهايد، وبالفعل سيكون ضرر خطير بالديمقراطية مم سيفكك لا سمح الله المجتمع الاسرائيلي لدرجة الحرب الاهلية.
من جهة اخرى، وهذا ما لا يفهمه جون كيري، اذا ما قامت لا سمح الله دولة فلسطينية، فانها ستهدم حياتنا بمجالات اخرى. فهي ستدخلنا الى الملاجيء، ستطلق الكاتيوشا وصواريخ الجراد نحو تل أبيب، وستسقط طائرات مسافرين في طريقها الى مطار بن غوريون، ستجند ضدنا كل العالم المزدوج الاخلاق الذي يقنعنا الان على أن نقيمها ولكنه بعد ذلك سينضم اليها كي يشجبنا بلا انقطاع، وهي ستثير ضدنا العرب الذين يجلسون منذ الان في داخلنا ويحملون المواطنة الاسرائيلية.
اليساريون اليائسون سيقولون لكم ان كل هذه مشاكل أمن هامشية ويوجد لها جواب بسيط نسبيا، ولكن هذه خدعة يخدعون بها أنفسهم. ليس لهذا جواب وليس هذا حل. غير أنه لا ينبغي ان نطيل في تفاصيل قائمة المشاكل العويصة التي ستجلبها علينا الدولة الفلسطينية لان هذه الدولة لن تقوم. منذ أكثر من عشرين سنة ونحن نحاول بالقوة تقريبا أن نقيمها بالاتفاق وهم لا يريدونها. دوما عندما تأتي لحظة الحقيقة يهربون. وهم لن يريدوها حتى ولا بعد عشرين سنة.
لا توجد وجبات بالمجان
تتبقى لنا امكانيتان: مواصلة الوضع الراهن أكثر فاكثر، أو ضم كل المنطقة ومنح سكانها العرب مساواة حقوق كاملة ومواطنة اسرائيلية بلا تذاكي. أنا لا اؤمن بامكانية استمرار الوضع القائم الى الابد.
الوضع القائم اليوم لا يجعلنا بعد دولة ابرتهايد غير ديمقراطية، كونه يعرف كوضع مؤقت يوشك قريبا، في نهاية المفاوضات، على أن يتغير. ولكن العالم بات يفهم منذ الان بان ‘نهاية المفاوضات’ لن تأتي. وعليه فنحن منذ اليوم نتحكم عمليا بالسكان العرب ونبقيهم في مكانة مواطنين من الدرجة الثانية. صحيح أن لديهم حكما خاصا بهم وهم ينتخبون برلمانا خاصا بهم، ولكن هذا الحكم يعيش على حِراب الجيش الاسرائيلي وهو ليس صاحب السيادة على الارض حقا، ناهيك عن أن معظم الارض المخصصة للدولة المستقبلية يقع في أيدينا بشكل كامل ونحن نفعل كل شيء كي يبقى هكذا أيضا.
كما اني لا اؤمن بكل أنواع الامكانيات الانتقالية مثل نصف الحكم الذاتي او نصف الارض بادارة اردنية، او كل فكرة مشابهة معناها هو أننا نحصل على ما نريد ولكن لا ندفع أي ثمن. إذ لا توجد وجبات بالمكان وينبغي لمثل هذه الحلول ان يوافق عليها الارنيون و/ أو الفلسطينيون وهم لن يوافقوا.
للشعب اليهودي توجد قوة
في نهاية المطاف نبقى مع امكانية واحدة: دولة واحدة من البحر وحتى النهر، هي دولة اسرائيل، هي دولة الشعب اليهودي، وهي أيضا ديمقراطية وتمنح المواطنة الاسرائيلية الكاملة لمليون ونصف عربي يسكنون في يهودا والسامرة. هذه ستكون دولة الشعب اليهودي التي ثلث مواطنيها عرب وهي ستمنحهم ببطء وبالتدريج كل حقوق المواطن. هذا لن يكون سهلا ولكنه ممكن، وهو واجب يفرضه علينا التاريخ اليهودي الا نترك الى مصيره قلب البلاد.
تسيبي لفني تشمئز من هذا وهي واثقة من أنه متعذر. وهي مستعدة لان تدخلنا جميعا الى الملاجيء، مستعدة لان تملأ يهودا والسامرة بـ 3 او 5 مليون لاجيء عربي واغلاق الباب أمام الاجيال القادمة للشعب اليهودي المتجمع والمهاجر الى بلاد آبائه وأجداده، على الا توسخ شوارع تل ابيب البيضاء بالمارة العرب. ولكن التحدي الذي أخذه بن غوريون على عاتقه لاعلانه الاستقلال كان أكبر بذلك، وقد عرف بان للشعب اليهودي قوى نفسية للايفاء به. نحن لسنا أقل جودة من الجيل الذي سبقنا. نحن ايضا سنفي بمتطلبات التحدي وسننتصر، وقانون القومية هو خطوة اولى وضرورية في الطريق الى هناك.