نتنياهو: انتخابات مبكرة.. وقائية!!

لم تعد الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، مجرد مناورة استخدمها نتنياهو ضد الشركاء في حكومته الائتلافية، بل باتت أمراً واقعاً بعدما تم التوافق على أن يتم حسم أمرها، خاصة لجهة تاريخ إجرائها يوم غد الإثنين وربما بعد غد الثلاثاء، هذه الانتخابات المبكرة قرابة عام عن موعدها النظامي، شغلت وستظل تشغل الساحة الحزبية الإسرائيلية لوقت ليس بالقصير. ويرى البعض أن الإصرار على هذه الانتخابات لا يعود إلى مسألة الميزانية أو تعديل قانون "طال" حول تجنيد المتزمتين فقط، بل إن الخشية من الاحتجاجات الجماهيرية المرتقبة، كانت سبباً رئيساً في التوجه نحو انتخابات مبكرة، تشغل الرأي العام خلال الأشهر القادمة، التي كانت مرشحة لانطلاق الاحتجاجات الشعبية ذات الأهداف الاقتصادية، وبحيث تنشغل الأوساط المشجعة والمنظمة لهذه الاحتجاجات بالعملية الانتخابية بما يجعلها تؤجل إلى حين، وربما العام القادم، قيامها بحملاتها الشعبية، إلا أن تداعيات الحديث عن انتخابات برلمانية مبكرة أسهمت في أن تشجع هذه الانتخابات المنظمين والمشجعين على هذه الحملات على تنظيم أنفسهم في حزب لخوض الانتخابات، مما يشكل تهديداً للساحة الحزبية التقليدية، ولعل إصرار نتنياهو ومن خلفه الليكود على الإسراع في عقد هذه الانتخابات أواخر آب أو أوائل أيلول، بدلاً من تشرين الأول، كما اقترحت بعض الأحزاب، من شأنه عدم إعطاء فرصة زمنية كافية لتشكيل مثل هذا الحزب، واتخذت الأعياد اليهودية ذريعة لتحديد موعد متقدم، في وقت عارضت فيه الأصوات البرلمانية والشعبية العربية، المواعيد المقترحة التي لا تأخذ بالاعتبار عند تحديد موعد الانتخابات المبكرة الأعياد الإسلامية، شهر رمضان وعيد الفطر.

وإذا كان من المبكر الاعتماد على نتائج استطلاعات الرأي في تحديد توقعات حول قوى الكنيست القادمة، فإن نتنياهو، ربما يشعر بالقلق من تنامي بعض الأحزاب والقوى التي من المحتمل أن تغير المعادلة الحزبية ـ السياسية، ذلك أن هناك سابقة أولى استفاد منها نتنياهو إثر نتائج الانتخابات البرلمانية السابقة، عندما تم تكليف حزب الليكود تشكيل الحكومة، مع أنه جاء ثانياً بعد حزب كاديما، وأصبح الحزب القادر على تشكيل الحكومة، هو المعيار وليس فقط نجاحه في أن يكون أولاً من الناحية العددية، هذه السابقة التي استفاد منها نتنياهو، تكاد تشغله هذه الأيام، وهو يرى الخريطة الحزبية تتغير وتتعدل بما يجعل حزبه الذي تجمع كافة استطلاعات الرأي على أنه سيفوز فوزاً كاسحاً في الانتخابات القادمة، ربما لن يكون قادراً على تشكيل الحكومة القادمة في ظل جملة من المتغيرات خاصة أن هناك اتهامات متكررة بأن حكومة نتنياهو الحالية أوقعت إسرائيل في أزمات داخلية وخارجية، وفي ظل حالة حصار دولي على المستوى السياسي، مما يجعل ائتلافات محتملة أوفر حظاً في خطف تشكيل الحكومة من الحزب الأقوى عددياً، الليكود بقيادة نتنياهو، ومع أن هذه الاحتمالات محدودة، إلاّ أنها من دون شك، تبقى احتمالات ربما تقلب الطاولة في مفاجأة مذهلة لتوزيع جديد للخارطة الحزبية القادمة بنتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة.

أطلق الحلفاء في حكومة نتنياهو الائتلافية الحالية، على أنفسهم أنهم "شركاء طبيعيون" أي أنهم ملتزمون، عقائدياً وسياسياً فيما بينهم، إلاّ أن هذه الشراكة الانتهازية لن يكتب لها الاستمرار في ظل المستجدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحزبية التي أخذت تتشكل مع الحديث عن انتخابات برلمانية مبكرة، فعلى الرغم من أن حزب المعارضة الأساسي، كاديما، بات أكثر ضعفاً خاصة إثر الانقسامات في صفوفه بعد فوز موفاز برئاسة الحزب وتنحية ليفني التي باتت خارج قيادة الحزب مع أنها بقيت عضواً فيه، وخارج الكنيست الحالية، إلاّ أن موفاز يحظى بفرصة يجب عدم التقليل من تأثيرها، ليشكل حكومة قادمة، بحيث يصبح أول رئيس حكومة إسرائيلية من أصل شرقي، تتوق حركة شاس إلى أن تتوجه رئيساً لمثل هذه الحكومة، باعتبارها هي التي تصنع ـ كما كان في الماضي ـ رؤساء الحكومات في إسرائيل، شاس ربما ترغب في الانتقام من شريكها الذي سيصبح "سابقاً" نتنياهو الذي اقتطع من مخصصات الأولاد وانزوى أكثر مرة مع ليبرمان العلماني في مواجهة اليمين الديني، الائتلافات الجديدة، التي ستضم على الأرجح حزب العمل المتقدم، والمرجح أنه سيحصل على ضعف أصواته الحالية، والتي ربما أيضاً، تستدعي حزب لبيد الجديد، قليل الخبرة في العمل السياسي من أجل أن يضع قدميه في حكومة ينضم إليها مباشرة خشية أن تكون بداياته من موقع المعارضة.

من هنا، فإن احتمال أن يجري نتنياهو مباحثات تمهيدية مع حزب إسرائيل بيتنا بقيادة ليبرمان، بات مرجحاً على ضوء ما يخشاه في أن يشكل تيار "اليسار الوسط" العمل، كاديما، وهناك مستقبل "برئاسة الإعلامي لبيد" قائمة مشتركة قد تحصل على حوالي 40 مقعداً برلمانياً.

وبعيداً عن التشكيلات المحتملة، تظل مسألة التوقيت وتراجع نتنياهو الذي كان مصراً حتى أسابيع خلت على عدم إجراء انتخابات مبكرة، هي المسألة الأكثر بروزاً قبل الدخول عملياً في إقرار الكنيست الحالية للموعد النهائي لإجراء هذه الانتخابات، سبب تراجع نتنياهو كما تراه بعض الأوساط، يتعلق بالنتائج المحتملة للانتخابات الرئاسية الأميركية التي على الأغلب ستمنح أوباما ولاية ثانية، في هذه الحال، سيكون الرئيس الأميركي في وضع أكثر تحرراً من الضغوط كي يمارس سياسة أكثر استقلالاً غير مرهونة بانتخابات قادمة، سبق لنتنياهو أن خضع لمثل هذا الأمر خلال فترة حكمه السابقة 1996 ـ 1999، خلال رئاسة كلينتون عندما نجح الجهد الأميركي في إقصاء نتنياهو وفوز باراك في ذلك الوقت، نتنياهو لا يريد أن يخضع لضغط أميركي في حال عقدت الانتخابات البرلمانية العام القادم، بعدما يكون أوباما قد أصبح رئيساً لولاية ثانية يمكن معها له أن يغير من المعادلات الحزبية والسياسية الداخلية في إسرائيل والتدخل الفاعل في نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، الوضع يختلف لو كان الأمر عكسياً، نتنياهو مثلاً رئيس للحكومة في إسرائيل، ومن ثم في حال فوز أوباما، تكون الأمور قد انتهت ولم تعد هناك قدرة عملية على التغيير والتدخل، أو "الانتقام" حسب بعض الأوساط الإسرائيلية التي لا تزال تستذكر أن هناك عدم ثقة بين أوباما ونتنياهو، وأن الأول ما زال على الأغلب يتذكر جرعات من الإهانات التي وجهها نتنياهو إلى إدارته طيلة ولايته الأولى، وأن نتنياهو لن يتيح للرئيس الأميركي فرصة للانتقام.