خطة «براور»… نسخة الضفة الغربية

بقلم: عميره هاس
بماذا يُذكركم ما يلي؟ يُطلب الى آلاف الناس بتهديد فوهات البنادق المسددة أن يغادروا اماكن سكنهم. وهم يُجمعون ويُركزون ويرغمهم المسلحون على السكن معا، في زحام يناقض ما اعتادوا عليه ويناقض طريقة كسبهم أرزاقهم.
لا يهم بماذا يُذكر ذلك: فالادارة المدنية ما زالت تدأب في الاتيان بكارثة انسانية اخرى الى آلاف كثيرة من البشر. وهذا في الحقيقة مال ضئيل بالنسبة الينا، أصحيح؟ وهو رجة طفيفة في طابعة تقذف بهذا الأمر. إن جسما معينا لم ينتخبه ذلك الجمهور الذي مصيره في يديه، وهو مؤلف من موظفين وعسكريين في الحاضر والماضي ومستوطنين، يُعد نسخة مخيفة اخرى من «خطة براور» لطرد – تجميع بدو الضفة الغربية. وهو لا يسألهم عما يريدون، ولا يصغي اليهم، ولا يحسب حسابا لتاريخهم ومستقبلهم. والارض التي ستفرغ ستصبح احتياطيا من الارض لآلاف الوحدات السكنية المحسنة لليهود ولمتنزهات ومزارع أفراد (لليهود فقط) كما يبدو. فما أسهل ذلك وأخفه.
إن المستهدفة اليوم هي الجماعات البدوية بين القدس وأريحا وفي شمال أريحا («هآرتس»، 30 أيار). ويبلغ العدد بين 15 – 20 ألف نسمة. وقد اعتدنا أن نراهم في خيام وبيوت صفيح على جوانب الشوارع السريعة الجديدة، أو يسعون وراء شيء قليل من العشب للغنم في مربعات الارض بين المستوطنات التي تزداد اتساعا ومعسكرات الجيش. وتُرى طريقة عيشهم بدائية وقاسية ولا حاجة اليها وهذا هو تسويغ الطرد – التجميع الجماعي الذي تبيح الادارة المدنية التي هي رسول الحداثة والتقدم، لنفسها أن تخطط له في هذه الايام حقا.
تُعد الادارة المدنية لهم ثلاث بلدات – كما وعد في 27 نيسان منسق العمليات في المناطق ممثلي المستوطنات القلقين من استمرار وجود البدو قربهم. وقد أبلغت الدولة محكمة العدل العليا قبل عشر سنوات أن هذه هي الخطة، وبهذا تتذرع بحظر ربط هذه الجماعات بالماء والكهرباء وبناء مدارس وزيادة مبان سكنية على حسب الزيادة الطبيعية على بعد صرخة عن فخامة المستوطنات اليهودية.
إن البلدة الكبرى المخطط لها لثلاث قبائل مختلفة تقع قرب قرية النعيمة شمال أريحا. وتبلغ مساحتها نحوا من 2000 دونم من ارض الدولة في المنطقة ج. وهي جيب من الارض عثر عليه في طرف الجيب أ من أريحا («هآرتس»، 16 أيار 2013). وبسبب معارضة المستوطنين في المنطقة أُدخل الى الخطة عدد من التغييرات. وفي الاسبوع الماضي كان يفترض أن تضرب الادارة المدنية أجلاً مسمى لايداعها النهائي من اجل الاعتراضات عليها ولم يُضرب أجل الى الآن. وجاء عن منسق العمليات في المناطق أن «الخطة الهيكلية للنعيمة وكيدومة ما زالت في مراحل المحادثة مع السكان». أمحادثة؟ في البدء فهمت الحمولتان من قبيلة الرشايدة اللتان تسكنان في المنطقة، أن الخطة الهيكلية مخصصة لهما فقط. فهمتا ذلك ووافقتا على الخطة. ولم تعلما أن القصد الى ضم حمائل من قبيلتي الكعابنة والجهالين. وهما تعارضان الخطة التي أُخذ في صوغها، ويعارض المرشحون للطرد – التجميع من القبائل الاخرى هم ايضا ذلك بقوة.
وجاء عن منسق العمليات في المناطق ايضا أن «لجنة التخطيط العليا التي يفترض أن تبحث في الاعتراضات يتوقع أن تجدد مباحثاتها بعد ذلك». أي أنها ستجدد مباحثاتها في التخطيط للكارثة الانسانية التالية: فعلى حسب الخطة سيُجمع بين 3800 الى 6000 بدوي هناك في ميادين وبيوت ستبنى فوقهم، في جوار بين القبائل والحمائل يعارض ما اعتادوا عليه ويعارض عاداتهم، على مبعدة لن تدع مكانا كبيرا للاغنام وتوجب عليهم أن يبيعوا أكثرها. وستُقيد حركات النساء أكثر. فهذا القرب بين الحمائل والقبائل المختلفة داعية الى احتكاكات وخصومات تتصاعد سريعا. ولن تخف عنهم الصدمة بسبب النقل القسري. إن شجارا ساذجا بين اولاد صغار قد يشعل نارا عظيمة كما تعلمنا التجربة. ولن يكون من الممكن طي الخيمة والانتقال كما هي العادة اليوم اذا وقع احتكاك.
إن البؤرة الاستيطانية «مفؤوت يريحو» ومستوطنة «يتيف» ومزرعة لمستوطن فرد ومعسكر ستسد طريق الوصول الى مرعى في الغرب والشمال. وستحاصر القرية الفلسطينية النعيمة من الجنوب الغربي ومدينة فلسطينية جديدة اسمها «قمر»، ومشروع فلسطيني للزراعة الصناعية (في المنطقة أ)، ستحاصر البلدة من الشرق. وسيُقطع مصدر عيشهم الرئيس الذي هو القطب الذي يدور حوله تراث عمره آلاف السنين.
إن زيادة كبيرة جدا من الناس ستضائل موارد الماء في قرية النعيمة وحقولها. وقد ضاءل جوار مركز شرطة فلسطيني كبير نصيب القرية من ينبوعيها بنحو من 40 بالمئة وستسوء حال الفلاحين ايضا. إن مخيم اللاجئين القريب عين السلطان له القدرة على الوصول الى ينبوع واحد ويعاني المخيم في اشهر الصيف إمدادا غير منظم بالماء. فستقوى ازمة المخيم اذا، اذا خصص بعض مائه للجيران الجدد. وسيتنافس سكان البلدة الجديدة ايضا في اماكن العمل المعدودة مع سكان مخيم اللاجئين، وفي الخدمات التربوية والصحية والطبية لوكالة الغوث في عين السلطان. طُرد كثير من البدو في الضفة الغربية والمنطقة ج أو أنهم من ذرية اولئك الذين طردناهم من قراهم الاصلية في النقب بعد 1948. وانتشر المطرودون في انحاء الضفة الغربية مع الحفاظ على مسافة ملائمة بين كل قبيلة وحمولة. واشترى عدد منهم ارضا. وحينها جاء مرة اخرى المجتث الكبير في 1967. فقد حدت اسرائيل أكثر فأكثر بالحيل المعروفة (المصادرات وميادين الرماية والمحميات الطبيعية ومصادرة الاغنام والهدم والطرد) حدت من مجال حركة البدو وارتزاقهم.
وها نحن اولاء نقترب من مرحلة الهدم النهائية اذا لم يصحُ أي واحد ليقول: لن يكون ذلك بعد.
هآرتس