لجنة لجرائم الحرب

بقلم: أمير أورن
انشأت وزارة الدفاع والجيش الاسرائيلي مؤخرا لجنة للفحص عن شكاوى تتعلق بجرائم حرب في ظاهر الامر، على أثر هجمات من الجو على نشطاء ارهاب، لكنهما يرفضان نشر تركيب اللجنة، يرأسها قاض متقاعد هو قاضي محكمة لوائية بحسب رواية الجيش الاسرائيلي، ورئيس سابق في محكمة الصلح في احدى المناطق بحسب رواية وزارة الدفاع. ومعه اعضاء في «لجنة التصفيات المركزة»، جنرال في الخدمة الاحتياطية ورئيس قسم متقاعد في «الشباك» وخبير بالقانون الدولي، ممن خرجوا من النيابة العامة العسكرية. وصادق متحدث الجيش الاسرائيلي أمس على أن اللجنة تحقق «في عدد من الاحداث». وأضاف المتحدث أنه لم توجد الى الآن «هجمات غير قانونية».
تفاخرت النيابة العامة العسكرية علنا في شهر آذار بحقيقة انشاء «جهاز فحص من خارج الجيش للفحص عن قانونية التصفيات المركزة»، لكن المدعي العام العسكري الرئيس اللواء داني عفروني تهرب من الاجابة الموضوعية عن سؤال تركيب اللجنة. ورفض عفروني ايضا أن يقول هل اجتمعت اللجنة للتباحث في دعاوى تتعلق باصابة مدنيين قد تبلغ الى جريمة حرب، وهل تم البدء كما وُعد باجراءات جنائية على أثر هذه المباحثات.
إن جهاز الفحص عن قانونية التصفيات المركزة من الجو هو نسخة ثالثة من لجنة أنشئت ردا على قرار المحكمة العليا في الاستئناف الذي تناول اغتيال نشيط حماس صلاح شحادة (عملية «دغلان») في 2002، من الجو. فقد قتل في العملية في غزة 14 مدنيا آخر منهم اولاد. وأنشئت بتوجيه من المحكمة العليا لجنة للفحص عن اغتيال شحادة برئاسة المدعي العام العسكري الرئيس السابق تسفي عنبار، وبمشاركة اللواء (احتياط) اسحق ايتان، ود. وهو رئيس قسم متقاعد من «الشباك».
بعد موت عنبار عُينت لرئاسة اللجنة القاضية المتقاعدة توفا شترسربرغ – كوهين، من المحكمة العليا لكنها رفضت أن ترأس اللجنة الدائمة للفحص عن قانونية التصفيات المركزة الجوية. وبعد استقالتها طُلب الى القاضي المتقاعد زئيف هامر أن يرأس اللجنة ومعه اللواء (احتياط) غابي اوفير. وترك كلاهما اللجنة قبل أن يصبح لعملها مضمون حقيقي. وفي السنة الماضية شُكلت اللجنة من جديد في حين وقع وزير الدفاع موشيه يعلون على كتب تعيين اعضائها، لكن جهاز الامن يخفي التشكيلة.
تناقض هذه الحقيقة فخر النيابة العامة العسكرية بنفسها وهي التي تفخر بالرقابة على الملاءمة بين نشاط الجيش الاسرائيلي والقانون الدولي. في شباط من العام الماضي بعد عملية «عمود السحاب» في خريف 2012 ونشر تقرير لجنة تيركل للتحقيق في الجوانب الجنائية في العمليات العسكرية، بشر عفروني بأن رئيس هيئة الاركان الفريق بني غانتس أمر بانشاء «جسم تحقيق مستقل من هيئة القيادة العامة». وقال عفروني: «نبدأ اليوم تحقيقا من الشرطة العسكرية السرية في كل واقعة قتل فيها في منطقة يهودا والسامرة (مدني) غير مشارك في النشاط العملياتي، الذي ليس هو نشاطا قتاليا حقيقيا».
تنطبق على غزة وعلى الدول العربية المحاذية لاسرائيل، بخلاف نشاط الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية، التي تخضع لسيطرة اسرائيلية ولا يشمل تصفيات من الجو، تنطبق عليها قواعد تصفية مركزة لاهداف ارهابية تعمل «في غطاء محيط مدني ومن داخله، على سكان مدنيين في اسرائيل مع اخلال شديد باحكام القتال».
لا يفصل هذا المنشور الرسمي عن النيابة العامة العسكرية الحديث عن آلات الطيران التي يستعملها سلاح الجو في التصفيات. وقد تناول رئيس الولايات المتحدة براك اوباما في خطبته في ويست بونت أول أمس بصراحة آلات الطيران بلا طيارين التي تشارك في المعركة على الارهاب، وفي حالات نادرة استُعملت ايضا طائرات حربية امريكية.
واليكم، مع الاختصار الواجب وبترقيم صحافي، الوصايا العشر للتصفية المركزة من الجو، بحسب قسم القانون الدولي في النيابة العامة العسكرية – وهي كلمات جميلة لكنها فارغة في قسم منها على الأقل، بسبب الجهد لاخفاء عمل لجنة التصفيات أو عدم عملها:
11 ـ على حسب احكام الحرب، يحل الهجوم على مقاتلين ومدنيين يشاركون في القتال مشاركة مباشرة. ولا تهاجم دولة اسرائيل سوى اهداف الهجوم عليها. وتحرص اسرائيل ايضا على الوفاء بمبدأ التناسب الذي يُحرم بحسبه تنفيذ هجوم في ظروف يتوقع أن يكون فيها الضرر العارض المتوقع للمدنيين أو ممتلكاتهم مفرطا اذا قيس بالمكسب العسكري المتوقع، وعلى الالتزام بوسائل الحذر المطلوبة بغرض مضاءلة الضرر العارض المتوقع بقدر المستطاع.
12- تطبق اسرائيل احيانا في اطار هجمات من الجو قواعد أكثر تشددا من المطلوب بحسب القانون الدولي تنبع من احكام المحكمة العليا أو تقديرات سياسية داخلية.
13- يوجد مثال على هذه القيود في قرار المحكمة العليا (التصفيات المركزة) في سنة 2006. ففي اطار الفحص عن قانونية الاصابة المتعمدة لانسان، أُجيز سلفا أنه مستهدف للهجوم لكونه مواطنا يشارك مشاركة مباشرة في القتال، في مناطق طبقت فيها اسرائيل احكام السيطرة الحربية، أقرت المحكمة واجب الفحص عن بديل الاعتقال قبل تنفيذ «تصفية مركزة» وأمرت بانشاء لجنة فحص خاصة تفحص بعد ذلك عن دعاوى اصابة مدنيين لم يكونوا مشاركين في القتال.
14- في هجمات من الجو، لا لاعتبارات قانونية دولية أو محلية ما بل لاسباب سياسية، يطبق الجيش الاسرائيلي على نفسه احيانا قيودا اكثر من المطلوب بحسب مبدأ التناسب تبلغ احيانا درجة الغاء هجمات لمضاءلة الاصابة العارضة لمدنيين غير مشاركين في القتال. وهذه السياسة لأنها غير واجبة من جهة قانونية يمكن أن تتغير من آن لآخر ومن ميدان لآخر. فاستعمال اسرائيل في قطاع غزة اطلاق النار التحذيري غير القاتل على سطح مبنى يشكل هدفا عسكريا من اجل التحذير قبل الهجوم من الجو، في اطار اجراء يسمى «أُطرق السطح» لا يوجبه القانون، وهو ينبع من الخصائص المميزة لميدان القتال ذاك، وغير قابل للتنفيذ في قتال في ميادين اخرى.
15- بازاء التعقيد والحساسية والتأثيرات المحتملة للهجوم على نشيط ارهاب من الجو، تتخذ القرارات في اطار اجراءات عملياتية منظمة تنظيما جيدا. وهذه الاجراءات مثبتة بتعليمات وأوامر عسكرية تحدد المراحل المختلفة لمسار تخطيط الهجوم من الجو والجهات التي يجب على القائد العسكري أن يستشيرها قبل الهجوم.
16- يشتمل الاجراء الاساسي على استشارة قانونية سابقة في اطار تخطيط عملياتي منظم ينفذ بهجمات مخطط لها مسبقا. ويعطى احيانا دون الزام قانوني استشارة قانونية تفصيلية تتعلق بقانونية الهجوم على هدف ما. «إن هذه الاستشارة التفصيلية ليست من نوع الاهتمام في «وقت حقيقي» حينما ينشأ تهديد فوري – مثل وجود خلية تستعد لاطلاق صواريخ – ويتخذ قرار التصفية في أقل من ثانية».
17- يجري على ضباط الاستخبارات وسلاح الجو ورجال «الشباك» والضباط الذين يخدمون في مراكز اطلاق النار في الفيالق وفي هيئة القيادة العامة، اعداد في القانون الدولي ويتعلمون الموازنة بين الفائدة العسكرية المتوقعة من الهجوم والضرر العارض المتوقع منه. ومما يؤخذ في الحسبان طبيعة النشاط الارهابي لهدف التصفية (مثل المشاركة في اطلاق قذائف صاروخية على بلدات اسرائيلية) وعمله في اطار نشاط العدو العسكري. ويتناول الرأي الاستخباري ايضا معلومات يمكن أن يستدل منها على مقدار الضرر العارض المتوقع للمدنيين أو الممتلكات.
18- بالاعتماد على هذه المعلومات مع آراء جهات مختصة اخرى كخبراء بحث أداءات، يستطيع القائد العسكري أن يطبق كما ينبغي مبدأ التفرقة ومبدأ التناسب وواجب الالتزام بوسائل الحذر – بالقرار المتعلق بمجرد الهجوم وبالقرار المتعلق بصورة تنفيذه (كالقرار المتعلق بساعة الهجوم ونوع الذخيرة التي ستستعمل وغير ذلك).
19 ـ على حسب السياسة المعمول بها، فانه بعقب توصية لجنة تيركل وحينما تعلم النيابة العامة العسكرية المعلومة أو الشكوى أو الادعاء – مهما يكن مصدرها – التي فيها اساس معقول لشبهة أن هجوما ما للجيش الاسرائيلي هو جريمة حرب، يتم التحقيق في هذه الشبهة تحقيقا جنائيا. إن مجرد اصابة مدني بهجوم من الجو وقت الحرب لا يثير في حد ذاته شبهة عدوان على احكام الحرب اذا كانت تناسبية. لكن سماع دعاوى عن موت مدنيين في اطار هجمات من الجو حينما يشير الفحص الاول الذي يجرى – والذي يعتمد فيما يعتمد عليه على معلومات استخبارية – الى أن الاشخاص الذين أصيبوا لم يكونوا مدنيين ألبتة بل كانوا اهدافا يجيز القانون الهجوم عليها بحسب احكام الحرب. وعلى ذلك لا ينشأ في هذه الاحوال أية شبهة عدوان على احكام الحرب (أو تنفيذ جريمة حرب، بيقين) وليس من العدل بدء تحقيق جنائي.
تتناول هذه الوصية العاشرة، بلا تفصيل، لجنة التصفيات الجوية – «جهاز فحص موضوعي أنشيء بمقتضى قرار المحكمة العليا بالقرار المتعلق بالتصفيات المركزة وهو في واقع الامر لجنة فحص من خارج الجيش، تفحص عن قانونية «التصفيات المركزة» والتي مجرد وجودها وكتاب تفويضها ايضا هما انتقال الى المطلوب بحسب القانون الدولي. ويعبر تشكيل اللجنة الذي بقي سرا كما قلنا آنفا عن استقلال اعضائها وعن خبرة قانونية وعملياتية. وصلاحيات اللجنة محدودة في نوع الهجمات التي كانت موضوع الاستئناف الى المحكمة العليا. فاللجنة مثلا لا تفحص عن قانونية هجمات اخرى مثل هجمات «الوقت المناسب» التي لم يخطط لها ولم يوافق عليها سلفا بل نفذت لاحباط تهديد فوري. وهي تقصر عملها ايضا على هجمات نشأت بعدها شبهة تعريف صحيح للهدف أو قتل في اطارها مدنيون لم يكونوا مشاركين في العمل الارهابي – كما حدث في تصفية شحادة. فاذا أسس فحص اللجنة اساسا معقولا لشبهة تنفيذ جريمة حرب يتم البدء بتحقيق جنائي بحسب التزام الدولة للمحكمة العليا.
إن ما نشر في موقع النيابة العامة العسكرية في الانترنت لا يتحدث عن الجهة التي يفترض أن تؤدي اللجنة تقاريرها اليها – وزير الدفاع أو رئيس هيئة الاركان أو النيابة العامة العسكرية أو المستشار القانوني للحكومة – وفي كل كم من الوقت. وإن رفض وزارة الدفاع والجيش الاسرائيلي أمس الكشف عن تفاصيل عمل اللجنة يثير الشك في أنها تعمل حقا، بعد أن أُبلغ امر انشائها الى المحاكم على رؤوس الاشهاد والى لجان التحقيق والجمهور.
بعد توجهات متكررة اكتفت وزارة الدفاع أمس باعلان قصير إذ قالت: «أنشئت لجنة يرأسها رئيس سابق لمحكمة الصلح والاعضاء فيها: خبير كبير في القانون مختص بالقانون الدولي. وممثل للشباك متقاعد وجنرال في الخدمة الاحتياطية. وبسبب حساسية عمل اللجنة لا نكشف عن اسماء الاعضاء فيها».
هآرتس