التمثيلية البائسة في الفاتيكان

بقلم: ايزي لبلار
اتفق الرئيس بيرس والبابا فرنسيس على تمكين رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن من أن يتم تصويره كرجل سلام، وذلك بالضبط في وقت كان يجب فيه الكشف عن النفاق في اتحاده مع حماس. إن البابا في اثناء زيارته للبلاد قبل اسبوعين قدم للدعاية الفلسطينية سلاحا حينما التقطت له صورة وهو يقبل جدار الفصل، في حين ظهرت عليه كتابات معيبة تشمل كلاما يناقض الكارثة («بيت لحم تشبه وارسو») ودعوات «الى تحرير فلسطين».
وعانق كذلك مفتي القدس الشيخ محمد حسين، وهو معاد للسامية لا لجام له يعتبر اليهود أعداء الله. ويسوغ العمليات الانتحارية ويتهم اسرائيل بأنها تنوي هدم الأقصى. ومهما تكن هذه الاعمال مقلقة فانه ينبغي الفحص عن سياسة الفاتيكان نحو اسرائيل في سياق استراتيجية واسعة فاشلة.
يرفض الفاتيكان قبول حقيقة أن الاسلام الاصولي تهديد عالمي للغرب – ولا سيما المسيحية – وأن مصالحة البرابرة لن تكون أقل هدما من جهود الكنيسة المريضة لارضاء النازيين. حاول بنديكت السادس عشر أن يزيل هذه المظلمة حينما اقتبس من كلام قيصر بيزنطي في القرن الرابع عشر، زعم أن النبي محمد جاء «بأمور سيئة وغير انسانية فقط مثل أمره بنشر الاسلام بالسيف بحسب العقيدة». لكن الفاتيكان سارع الى التراجع عن ذلك بسبب الاعتراضات التي أثارها كلامه.
سيحاكم المؤرخون الفاتيكان محاكمة شديدة لأنه لم يُسمع صوته اعتراضا على تمييز المسيحيين واضطهادهم وقتلهم في اكثر الدول الاسلامية. وما زال الفاتيكان يقبل الدعوى التي يعرضها متعاونون عرب مسيحيون يزعمون أن التعامي عن الاضطهاد افضل من الاحتجاج لأن الاحتجاج سيفضي الى تقويته والى سفك دماء. واذا لم يكن البابا ينوي أن يُسمع صوته اعتراضا على ذبح المسيحيين في الدول الاسلامية فليس من المفاجيء أن يختار مصالحة الفلسطينيين.
يجب النظر الى ذلك الكلام بالمنظور المناسب. كانت الكنيسة الكاثوليكية منذ ألفي سنة تقوم في مقدمة جبهة اضطهاد اليهود. وأثارت معاداة السامية بتهم قتل الرب التي أفضت الى جولات دورية لا نهاية لها من اعمال التنكيل والاخراج من الدين قسرا وموت القدّيسين.
لكن في تشرين الاول 1965 قبل نحو من خمسين سنة، مع نشر الـ «نوسترا أتاتا»، أفضى البابا بولص السادس الى تغيير عظيم في توجه الكنيسة للشعب اليهودي. فقد فند زعم قتل الرب وأكد الصلة الدينية والتراث الروحي المشترك، ورفض «لاهوت البديل» وندد بمعاداة السامية وأوقف النشاط التبشيري.
كان أقسى تحدٍ لاهوتي للكنيسة أن تسلم بحقيقة أن اليهودي «الذي يجب أن يتنقل الى الأبد الى أن يقبل المسيح الحقيقي»، حظي الآن بسيادة في الارض المقدسة. ولهذا كان العمل الرمزي الأهم لفرنسيس أن زار قبر هرتسل، وقد كان ذلك ذروة الزيارة. وأنا على يقين من أن أسلافه يتقلبون في قبورهم لرؤية بابا يقدم الاحترام لمؤسس الصهيونية السياسية وذلك خاصة في سياق البابا بيوس العاشر الذي رفض بقسوة طلب هرتسل دعم الفاتيكان.
لكن أعجب جوانب الزيارة كان اقتراح الرئيس بيرس الانضمام الى البابا وعباس في الفاتيكان في مراسم «صلاة للسلام»، تمت أمس. فقد شاهدنا أمس آخر عرض لبيرس قبل اعتزاله وهو عرض سيمكنه من العودة الى التعبير عن التزامه «مسيرة السلام التي لا رجعة عنها» واتفاق اوسلو الذي لا حاجة له والذي ما زال يشتاق اليه ويتمسك به.
هل من المنطق أن يكون علماني كبير يرفض أن يطأ ارض الكنيس في منزل الرئيس، هو الذي وقف الى جانب البابا في صلاة تجمع الأديان؟ لا شك في أن التمثيلية أمس ستحصد لبيرس عناوين صحافية ايجابية في أنحاء العالم، لكنها ستُمكن عباس الرافض من الاستمرار على التنكر بزي رجل سلام في وقت يتحد فيه مع حماس القاتلة. فعلينا لذلك أن نفحص عن انفسنا بدل أن نندد بالبابا الذي هو رجل نزيه برغم محدودية منصبه، أكد في أول لقاء مع اليهود أن «المسيحي الحقيقي لا يمكن أن يكون معاديا للسامية».
اسرائيل اليوم