حركة حماس والثورات العربية

تجد حركة حماس نفسها مع الثورات العربية التي تجتاح المنطقة في ظل مفارقة بالغة الدلالة بالمعنى السياسي. لقد حملت الانتخابات التي جرت في كل من مصر وتونس الإسلام السياسي إلى السلطة في البلدين، ما يعني أن القوى السياسية الشقيقة والحليفة لحركة حماس هي التي حصدت نتائج الانتخابات وتغيرت مواقعها في النظام السياسي وإدارته.

وبحكم العلاقة بين الإسلام السياسي الصاعد إلى السلطات في دول المنطقة وبين حركة حماس، استقبل هذا الإسلام السياسي امتداده الفلسطيني استقبال الأبطال وبالكثير من الترحيب في كل من تونس ومصر، وظهر كأن وضع الحركة قد انقلب رأساً على عقب لدى سلطات هذه الدول وأن التضييق الذي كان يمارس عليها خصوصاً في مصر حسني مبارك لم يعد قائماً، وبالتالي فإن حركة حماس هي المنتصرة بانتصار الإسلام السياسي في دول الثورات العربية، وظهر أن هناك بيئة مناسبة وحاضنة لحركة حماس ومشروعها المقاوم في العالم العربي الجديد المتشكل من سلطات جديدة، تتمدد وتتوسع في المنطقة وستكون فيها حركة حماس الطفل المدلل للمد الثوري الجديد في المنطقة.إذا كان هذا التحليل صحيح من حيث الشكل، فإن عليه بعض الملاحظات الموضوعية التي تكبح صحته الشكلية، دون أن تجعل منه تحليلاً خاطئاً، وهنا تكمن المفارقة. في الوقت الذي يحتاج الطفل المدلل (حركة حماس) إلى دعم الأشقاء بدءاً من مصر انتهاء إلى آخر دول الربيع العربي القادمة، بعد أن تم التضييق عليها في الماضي القريب، وتعويضها عن الفترات السابقة التي تعتبر حركة حماس أنها عانت في ظلها وصمدت في شروط وظروف صعبة وحتى معادية لها، فهي كما يعتقد رئيس وزراء حكومتها في غزة اسماعيل هنية، أنها الحركة التي افتتحت الربيع العربي عندما فازت في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة.

 لكن في الوقت الذي انتظرت حماس الدعم من الربيع العربي، وجدت أن المطلوب منها أن تدعم الربيع العربي من جانبها دعماً معاكساً للدعم الذي تنتظرته من الأشقاء الثائرين، فهي كانت تدير سياستها بما يحرج الأنظمة التي تضيّق عليها، مثلما كانت تحاول إحراج النظام المصري السابق، أما الآن مطلوب من حركة حماس، إعادة النظر في هذه السياسة وعدم القيام بأي سياسات ذات طبيعة احراجية للسلطات هناك، حتى لو كان لاعتبارات فلسطينية، خاصة بالنسبة للشقيقة الأكبر مصر

. فمن تنتظر حركة حماس منه الدعم، لا تستطيع أن تحرجه، خاصة  عندما تكون هذه السلطة حديثة الولادة ويُبنى الكثير على مستقبلها.من الواضح أن مفارقة حركة حماس تكمن في التناقض الذي ولّده الربيع العربي بين الانشغال بالأوضاع الداخلية لبلدان الربيع العربي والاهتمام بالصراع العربي والفلسطيني مع إسرائيل. فالقضايا الداخلية، هي القضايا التي تمحورت حولها الثورات العربية التي غابت عن شعاراتها، الشعارات القومية المرتبطة بالقضية الفلسطينية والتي ظهر بما لا يقبل مجالاً للشك بأنها ثورات ذات مهمات وطنية محلية. وحتى تستطيع أن تتقدم على مستوى هذه القضايا، على سلطات الإسلام السياسي تطمين المحيط الإقليمي والدول الغربية وفي القضية الفلسطينية وموضوع العلاقات مع إسرائيل تحدياً، وليس من المستبعد أن تصل هذه التطمينات إلى حد الصفقة للبقاء في الحكم. لكن هذه الأوضاع لا تناسب حركة حماس، فهي في هذه الحالة عليها أن تراعي المحيط الإقليمي في قضايا المقاومة التي تنادي بها، وهو ما يضعها لحد كبير في الموقع الذي كانت تقف فيه السلطة الوطنية الفلسطينية قبل استيلاء حماس على السلطة في قطاع غزة. إن القضايا التي تشغل العالم العربي في الثورات العربية هي التحرر الداخلي من الاستبداد الذي جثم على صدر هذه البلدان، أما الذي يشغل حركة حماس هي قضايا التحرر من الاحتلال الإسرائيلي الذي جثم على صدر الشعب الفلسطيني. من حيث الشكل يظهر أن هذه القضايا لا تتناقض مع تلك وأنهما يمكن أن تسيرا معاً في تكامل، ولكن من الواضح في هذه المرحلة التاريخية أن هناك تعارضات واضحة إذ لم نقل أن هناك تناقضات، وقد يطول أو يقصر زمن هذه التعارضات، ولكن خلال هذه الفترة على الشقيق الأصغر (حركة حماس) أن يأخذ بعيد الاعتبار الأوضاع الضاغطة على الأشقاء الأكبر وأن لا يساهم في مزيد من الضغوط عليهم. من أجل ذلك على حركة حماس أن تدير سياسة مختلفة عن تلك التي سادت في المرحلة السابقة.

 وهذا ما وجدناه من إدارة زعيمها خالد مشعل لملف المصالحة الذي نضج على نار حامية، والدعوة إلى المقاومة الشعبية، واختلاف الأداء السياسي الفلسطيني الداخلي لحركة رغم عدم تنفيذه إلى الآن، لكن هذا الملف سرعان ما فجرّ الخلافات داخل حركة حماس، وخرجت أصوات علنية على رأسها محمود الزهار ينتقد اتفاق المصالحة مع فتح، ويعتبر أن خالد مشعل قد انفرد في توقيع هذا الاتفاق.

يمكن القول أن الثورات العربية نقلت مواقع القوى السياسية في غزة تحديداً إلى أماكن ومواقع جديدة. إن حركة حماس التزمت ضبط النفس على أعلى مستوى في التصعيد الذي تكرر خلال الأشهر القليلة المنصرمة، ولم تساهم في إطلاق الصورايخ عندما أطلقها الآخرون. وهو ما يؤشر أن حركة حماس أخذت موقع حركة فتح السابق وأن حركة الجهاد أخذت موقع حماس السابق. قد يُقال، أن هذا الوضع مؤقت، لكن من يعرف الساحة الفلسطينية جيداً، يعرف أن الكثير من الأوضاع المؤقتة تحولت إلى دائمة لأسباب لا أحد يعرفها.