حفنة امتيازات لحفنة من الناس

ينطلق مروان المعشر كشخصية أردنية بارزة، يشغل موقعاً دولياً خارج الأردن، في رؤيته للإصلاح السياسي في بلادنا والخروج من المأزق الذي نعاني منه سياسياً واقتصادياً، من ضرورة الاتفاق على مبادئ أساسية، أولها كما يقول نصاً "الاتفاق على المظلة الهاشمية كضمان للحكم، وكجامع لكافة القوى السياسية والاجتماعية في البلاد"، ويقارن بين ما تم إنجازه في المغرب كبلد ملكي وما بين سلسلة الإخفاقات التي نواجهها في بلادنا، فالملك عبد الله ألقى خطابه يوم 12 حزيران 2011، وتحدث فيه عن ضرورة التوصل إلى حكومات برلمانية حزبية، معتمداً على التعديلات الدستورية التي تمت وضرورة تشريع القوانين الأربعة:

قانون الانتخابات والأحزاب والهيئة المستقلة والمحكمة الدستورية، بينما ألقى ملك المغرب خطاباً مماثلاً يوم 16 حزيران 2011، وعرض إصلاحاته الدستورية الديمقراطية عبر استفتاء في الأول من تموز، وجرت الانتخابات في شهر تشرين الثاني من العام نفسه، وتقود المغرب الآن حكومة برلمانية حزبية مؤتلفة، بينما الأردن ما زال تائهاً بين التقدم خطوة والتراجع خطوات، والقوانين الأربعة تعكس حالة التراجع بقوة نفوذ قوى الشد العكسي التي لا تؤمن بالإصلاح وتضع العراقيل أمام خطواته والتي انعكست على الصياغات الحكومية والنيابية للقوانين الأربعة وخاصة قانوني الأحزاب والانتخابات، بمضمون لا يحمل مفاهيم تتقدم إلى الأمام حتى ولو كانت بخطوات تدريجية، ولذلك يرى المعشر "أن الأردن لا يمكن أن يدار كما كان عليه الحال في السابق، وأن العناد أو التردد الذي تبديه القوى المناهضة للإصلاح، لن ينتج عنه استقرار مستدام".

مروان المعشر يصل إلى خلاصة في غاية الأهمية مفادها أن "إدارة الدولة في الماضي تمت وفق النظام الريعي، والذي استهدف كسب ثقة مجموعات من الناس على حساب عامة الشعب، فإلى متى يستمر اللعب بأقدار هذا الوطن من أجل حفنة امتيازات لحفنة من الناس ؟؟. فهل نتعظ ولا يزال لدينا بعض من وقت؟". مروان المعشر، ليس يسارياً، وليس من جماعة الإخوان المسلمين، ولم يكن يوماً في صفوف المعارضة، بل نما في صلب النظام، وعمل في مؤسسات الدولة ناطقاً بلسان وفد الأردن المفاوض مع الإسرائيليين، ومن ثم سفيراً في تل أبيب، وبعدها في واشنطن، ووزيراً للخارجية، ونائباً لرئيس الوزراء في حكومتي فيصل الفايز وعدنان بدران، ولذلك يمكن وصفه بأنه عابر للحكومات، ومع ذلك، فهو يتلو مواقفه من موقع النقد الإيجابي لسياسات الدولة، التي يرى أنها ستخفق إذا لم تتقدم بخطوات إصلاحية جدية تؤدي إلى ولادة حكومات برلمانية حزبية، حيث يرى قطاع واسع من الأردنيين أن الخطوات الجارية لا تتفق مع هذه التطلعات، فالحكومات الأربع التي تشكلت خلال السنتين 2011 – 2012 في ظل ثورة الربيع العربي، تشكلت وفق القيم القديمة، حكومات غير برلمانية وغير حزبية وغير ديمقراطية، قامت على أساس جهوي مناطقي، لا توفر القاعدة المطلوبة للشراكة ولا تستجيب لتلبية مصالح القطاع الأوسع من المجتمع، بل مجرد تدوير للمناصب الحكومية، وفق نهج نخبوي لا تزال السلطة التنفيذية تتغول فيه على كل مؤسسات الدولة وسياساتها ومواردها وقراراتها. حكومة فايز الطراونة، حكومة انتقالية وفق كتاب التكليف، فهل يمكن أن تتجاوز الحكومات التي سبقتها وتسجل لنفسها على أنها آخر الحكومات التقليدية، ممهدة المشهد الأردني دستورياً وقانونياً وحزبياً، وفاتحة الطريق نحو حكومات برلمانية حزبية، وفق خطاب الملك يوم 12 حزيران 2011، ووفق خطاب العرش في افتتاح البرلمان يوم 26/10/2011 ؟؟.

لقد أخفقت الحكومات الثلاث المتعاقبة، في التجاوب مع تطلعات الأردنيين في تمهيد الطريق نحو حكومات برلمانية حزبية، وهو الشرط الضروري الذي يجسد المعنى والمضمون الدستوري القائل في وصف طبيعة نظامنا السياسي على أنه "نظام نيابي ملكي" وهي قاعدة باتت ضرورية ومهمة لإنجاح مضامين التعديلات الدستورية، وتوفير حالة الاستقرار المطلوبة لبلادنا. ما يقوله فايز الطراونة، كشخصية أردنية محافظة، تنسجم مع الشخصيات المماثلة التي تقود البرلمان عبد الكريم الدغمي، والمجلس القضائي هشام التل، ولجنة الانتخابات المستقلة عبد الإله الخطيب ورئيس الديوان الملكي رياض أبو كركي، يشير بوضوح إلى غياب برنامج الإصلاح الديمقراطي وغياب رموز له، تتبنى برنامج الإصلاح الديمقراطي، بوضوح وعلنية وضمن أجندة وسقوف زمنية وخطوات عملية تدريجية، والشخصيات المذكورة التي تقود مؤسسات الدولة الأردنية الآن، تعكس عدم الرغبة في الوصول إلى حكومات برلمانية حزبية، وتعكس التلكؤ في القرار السياسي، نحو الوصول إلى الهدف، وهذا يدلل على أن قطار الربيع العربي قد توقف في محطته السورية، وأنه أعطى نفساً للنظام العربي بملكييه وجمهورييه كي يلتقط أنفاسه ويعيد صياغة مواقفه بالتراجع عن الخطوات الإصلاحية، وترتيب صفوفه وتجميع قواه لصد هجمات الربيع العربي وردعها عن تحقيق تطلعاتها نحو نظام ملكي دستوري قائم على أساس حكومات برلمانية حزبية، ونحو أنظمة جمهورية يتم انتخاب رئيسها على قاعدة التنافس عبر صناديق الاقتراع.