إخوان مصر: انتصار بطعم الهزيمة!!

انجلى الغبار، ولو جزئياً، عن نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية، بحصر الجولة الثانية والنهائية بين مرشح الإخوان تحت اسم حزب الحرية والعدالة محمد مرسي، والمرشح المستقل رئيس الوزراء الأخير في عهد مبارك الفريق أحمد شفيق، وتهاوت مع هذه النتيجة، العديد من الآمال والطروحات والتحليلات، وسقطت تعهدات وطموحات وأسانيد وأفكار، ظلت متداولة خلال الشهور الأخيرة، إلاّ أنها مع ذلك فتحت الآفاق أمام اختيارات جديدة غير معلبة وجاهزة، تشير إلى أن الشعب المصري يحاول أن ينتهي بثورته إلى النصر، بعيداً عن الاستقطابات الناجمة عن التأثيرات السلبية لمجريات تلك الثورة وتداعياتها. العملية الانتخابية في مرحلتها الأولى، أدت ويجب أن تؤدي إلى إعادة قراءة دقيقة للمتغيرات التي حدثت في مصر بنتيجة الثورة، ذلك أن القرارات المتسرعة المعتمدة في الأساس على نتائج انتخابات مجلسي الشعب والشورى، كانت قراءات سطحية متعجلة اتسمت بالتسرع والاعتماد على ظواهر الأشياء بعيداً عن أعماقها، واكتسبت بالتالي صفة المراهقة التي تحيد عن العمق والتروي، وتم بناء العديد من نتائج هذه القراءات على ما أفرزته نتائج انتخابات مجلسي الشعب والشورى ـ البرلمان ـ من دون أن تدقق بالتجربة على قصرها التي سادت تلك الفترة التي تربع فيها الإخوان وحزبهم على قيادة البرلمان المصري بغرفتيه، الشعب والشورى، والسياسات التي اتبعها هؤلاء خلال تلك الفترة القصيرة، لكن الغنية بدروسها وعبرها.

فمنذ اليوم الأول لتسلم جماعة الإخوان سدة البرلمان، تحققت مخاوف العديد من المحللين السياسيين والقوى الحزبية والسياسية ومنظمات المجتمع المدني، من أن "الجماعة" تريد أن تستحوذ على كل مقاليد الأمور، وأنها غير مؤمنة، ولا تريد أو ترغب في أي نوع من أنواع "المشاركة" وفي كافة الميادين، واعتقدت أن حصولها على حصة الأسد من مقاعد البرلمان، يبرر لها هذا التغول والانفراد بالسلطة، وهو التبرير نفسه الذي كانت القيادة المصرية السابقة في ظل حكم مبارك، تسوقه كي يسيطر الحزب الوطني على عموم البلاد والعباد، فقد كان موقف "الجماعة" من تشكيل الجمعية الدستورية الموكلة بصياغة الدستور الجديد يتحدد وفقاً لرغبتها في أن يكون نصف أعضائها من البرلمان، أي أن تكون الأغلبية تقريباً من "الجماعة" والسلفيين، لكن عند تشكيلها هذه الجمعية، تبين أن سبعين من مائة عضو في هذه الجمعية، هم من الإخوان والتيارات الإسلامية في الغالب.

كانت الجماعة قد عقدت العزم على عدم ترشيح أي إخواني من قبلها لمنصب الرئاسة، تأكيداً على أنها لا ترغب في الاستحواذ على كل السلطات بعدما وصلت إلى رئاسة البرلمان، لكن سرعان ما عادت عن وعدها هذا، ولم ترشح واحداً بل اثنين من قيادتها في موقع مرشح لرئاسة الجمهورية، ما أكد أن هذه الجماعة تقودها الرغبة الجامحة والجوعى إلى السلطة بكل عناوينها، الأمر الذي خلق حالة الاستقطاب الشديدة بين قوى مدنية وأخرى دينية في الخارطة السياسية فيما بعد الثورة. إن أولى الحقائق التي برزت من خلال الجولة الأولى، تشير إلى أن النفخ في حجم وشعبية الجماعة، استناداً إلى نتائج انتخابات البرلمان، كان مبالغاً فيه إلى أقصى درجة، إذ بعدما اعتقدت الجماعة، نتيجة لهذا الاعتقاد الخاطئ والخطير، أنها ستظفر بالرئاسة من الجولة الأولى، لكنها مع ذلك لم تحقق سوى ربع أصوات الناخبين، بنفس حجم أحمد شفيق تقريباً. والفارق هنا كبير، إذ إن حجم وشعبية شفيق تكاد تصل إلى ضعف شعبية الجماعة للسبب التالي، وهو أن الجماعة من خلفها تاريخ طويل من القدرة على التنظيم والقدرة على التحشيد وتستند إلى الأفكار والمعتقدات الدينية التي يرحب بها معظم الجمهور المصري، غير أن هذه الأسلحة والذخائر والأساليب، غير متوافرة لحملة شفيق، ولهذا السبب، وبعد ظهور هذه النتائج، غيرت "الجماعة" من إشادتها بشفافية العملية الانتخابية، كي تشير بعد النتائج إلى تزوير وتجنيد المجندين في الانتخابات، وإلى أن "الفلول" يدعمون شفيق، متجاهلة ـ الجماعة ـ أنها سقطت في ترؤس قائمة الفوز في عاصمتها، "الشرقية" لصالح حمدين صباحي وليس إلى شفيق، ونفس الأمر حدث في الإسكندرية، حيث الحشد الكبير للجماعات الإسلامية بقيادة الجماعة، والتي بدورها منحت صباحي الريادة، وليس إلى شفيق، ما يشير إلى عدم وجود ماكنة من "الفلول" لصالح حملة الفريق شفيق!!

والواقع أن جمهور "الجماعة" لم يتراجع عددياً، لكن كان مبالغاً به منذ البداية، وأن ما كسبته من أصوات في انتخابات البرلمان، لا يعود إلى شعبيتها بقدر ما يعود إلى جملة من العناصر والأسباب التي تمخضت عن تداعيات الثورة. إلاّ أن حقيقة أخرى لا تقل أهمية قد برزت بنتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وهي أن حالة الاستقطاب بين المرتبطين بالنظام السابق، والتيار الديني، قد تراجعت إلى درجة كبيرة، بما حققه نجم هذه الجولة وفارسها، حمدين صباحي، ما أعاد الوجهة السياسية نحو استقطاب مطلوب، بين قوى مدنية تقدمية، وقوى دينية تتلبس برداء الإسلام مستغلة طيبة وتدين الشعب المصري، وبما حققه حمدين من انتصار غير متوقع، يعيد التوازن إلى الخارطة السياسية والحزبية في جمهورية مصر العربية. ولكن، ماذا عن جولة الإعادة النهائية؟ سارعت الجماعة إلى تحشيد قواها، وقوى "الحلفاء الخصوم" الخاسرين في المعركة للاستعداد للمواجهة في الجولة النهائية، بالتوازي مع حملة واسعة النطاق، ضد ما أسمتهم الفلول والخطر على الثورة، متجاهلة أنها التحقت بهذه الثورة بعد أن تبين نجاحها وتأكد سقوط مبارك، وظن الجميع، نظراً لهذه الحملة، أن الاستقطاب ما زال قائماً بين أتباع النظام السابق، والتيار الإسلامي بقيادة الجماعة، وأن لا مناص إلاّ دعم مرشحها حتى لا يعود "الفلول" إلى الحكم، وهنا تكمن عبقرية حمدين صباحي، الذي رفض هذه "المسلّمة" ورفض دعم أي من حالتي الاستقطاب، شفيق ومرسي، ما أسهم في أن يتقدم النائب الليبرالي، عمرو حمزاوي باقتراح، وهو في الواقع امتحان، بأن يتنازل مرسي، للناجح الثالث، حمدين صباحي، لتأكيد ما تقوله الجماعة أنها ليست بصدد الاستحواذ على الرئاسة إلى جانب البرلمان، وهو المخرج الوحيد لكشف مدى صدق الجماعة في الحرص على الثورة. نتائج الجولة الأولى، أدت إلى نجاح الإخوان في أن يتربع مرشحهم على أول قائمة الفائزين، لكنه نجاح بطعم الهزيمة، لأنه هز العديد من المرتكزات والمسلّمات والترّهات التي ساقتها طوال الشهور الماضية، إنه انتصار بطعم الهزيمة حقاً!!