مركب المصالحة:اللي بيحب النبي "يزُقْ"!

مثلما هم عابرو السبيل الطيبون، على شاطىء البحر في خميسينيات البراءة، عندما كانوا يُهرعون للمساعدة في "دفش" مركب الصيد الثقيل، فيما الإخوة الصيادون يصيحون بأعلى الصوت: "اللي بيحب النبي يزُق"؛ نجد أنفسنا مضطرين ضميرياً لأن "نَزُقَ" في حبور، حتى دون أن ينادي المنادي! المركب قبل الغروب، تكون اضطجعت منذ الفجر، على صفحة الرمال، تسندها مداميك خشبية، لكي لا تنقلب على جنبها، وحين يأتي موعد الدفع بها الى البحر من جديد، لا بد من أيدي وجهد المارّة مجتمعين، فالرمل كثير والجسم ثقيل والصيد ثمين! كان مقتضى التغذية، أيام فقر الخمسينيات، يضاهي مقتضى الوحدة في بؤس أيامنا هذه، في العشرية الثانية من الألفية الثانية.

فالسردين هو ملك المائدة وأيقونة البحر، سلساً طيباً طرياً غنياً بالفيتامين، زهيد السعر، وفير الحضور، لا يختلف حوله اثنان. يدفع المركب عموم الناس لكي ينطلق. أما الجوراني والحمامي وسواهما، فإنهم يجمعون سردين البحر وما تيسر من أسماك أخرى، بقناديل ساطعة، مع الذكاء والالتفاف بالمركب والشباك، حول مواضع الأسماك، فينعم بالصيد عموم الناس! اليوم، يبدأ "الزَقْ" للمركب المركون على الشاطىء، من بيت الجوراني، الذي اقتنع مع صحبه أخيراً، برفع القبضة الأمنية عن أقفال مركز لجنة الانتخابات في غزة، لكي نذهب الى التمكين لإرادة الشعب، وصولاً الى نصاب وطني ديموقراطي، يستجمع الفلسطينيون في فيئه، أشتات عقلهم، فيُلجمون ـ بالقانون ـ الثرثار والمتنافخ في زمن الهزال والتردي، والفاسد المترف في زمن الفاقة، والرقيع السياسي في زمن غرور المحتل وصلفه، والمتهور بالنيران، والشغوف بالتنسيق الأمني، والخائن، والقاتل، والمزاود، والضحل الذي يحتل منصباً أكبر من حجمه بألف مرة.

وكل ذلك على طرفيْ الخصومة، وليس على طرف واحد منها! بوصول ممثلي لجنة الانتخابات المركزية الى قطاع غزة؛ نصبح على أعتاب مرحلة جديدة، نسأل الله أن تتسم بوفاق وطني حقيقي، على أسس قانونية ودستورية. فالموج عالٍ ولا يحتمل الخَطْب استمرار الخصومة، ولا امتداد السياق البغيض، للتعارضات الداخلية، التي ظلت تفتك بأمنيات الشعب الفلسطيني على مر المراحل. فالخصومات ميزت ـ للأسف ـ تاريخنا المعاصر، وحرمت الفلسطينيين دائماً، من حقهم الطبيعي في وحدة الصف، وفي تنقية أجوائهم وإصلاح أوضاعهم ونقد أدائهم، والاعتراض على أخطاء الخطائين وفساد الفاسدين، وتمظهرات الكاذبين أدعياء العنفوان.

نأمل أن نكون على عتبة مرحلة نكُف فيها عن السجالات الفاقدة للمعاني، على قاعدة أن المهاترات لم تنجح يوماً في تفسير التاريخ، ولا في وصف الواقع. لذلك لا بد من الدفع بالمركب في اتجاه الوحدة والاحتكام الى الشعب، والتعايش بين القوى، على قاعدة الاحترام المتبادل، وعلى أسس دستورية وقانونية تضمن للمواطن الفلسطيني كرامته وحقوقه، وللقوى السياسية حقها في العمل السياسي. فالرياح من حولنا عاتية، والمحتلون يعربدون، وليس من طرف في حاجة للتلكؤ ولا الى انتظار النداء:"اللي بيحب النبي يزُق"!