الجدار الفاصل لا يؤثر في الحدود السياسية ولا في الفلسطينيين

الجدار الفاصل

بقلم: شاؤول ارئيلي

الضجيج الاعلامي لحملة «الجرف الصامد» كاد يبتلع أحد القرارات الهامة لمحكمة العدل العليا بالنسبة للالتماسات التي رفعت ضد مسار جدار الفصل، فقد جاء في القرار بأن ديرين للطائفة الساليزيانية (أحدهما دير كريمزان) لن يفصلا بالجدار عن جمهورهما الفلسطيني في منطقة بيت جالا، رغم الرغبة الاسرائيلية في ذلك بسبب خطة ضم مستوطنة «هار جيلو» الى القدس.

ويتناول الالتماس مسار الجدار الذي تقرر في قرار الحكومة في 2003، القرار الذي عبر عن السياسة التعسفية التي تتجاهل واجب الدولة المحتلة للعناية بحقوق السكان الفلسطينيين.

وكان رئيس المحكمة العليا في حينه، أهرون باراك رد الفتوى الاستشارية من المحكمة الدولية في لاهاي والتي جاء فيها بأن المسار والنظام المرافق له –ترتيبات العبور وكل ما تنطوي عليه– ينتهكان القانون الدولي، وأن على اسرائيل أن تفكك الجدار الذي بنته وتعوض عن الأضرار التي لحقها. وقضت محكمة العدل العليا بأن من حق اسرائيل أن تبني الجدار خلف الخط الاخضر كون معنى اقامته هو أمني. وأضافت محكمة العدل العليا مع ذلك بأن «هدف جدار الفصل لا يمكنه أن يكون ترسيم الحدود السياسية»، وإنه يجب فحص المسار في كل مقطع حسب مبادىء التوازن، والموازنة بين الحاجة الامنية وحقوق السكان.

قرار المحكمة، الذي صدر في حزيران/ يونيو 2004 في الالتماس الذي رفعه سكان بيت سوريك ومفسيرت تسيون، دفع جهاز الامن وبعده الحكومة الى أن تقر في شباط/ فبراير 2005 مساراً جديداً للجدار، كان مختلفاً بشكل كبير: فقد أبعد الجدار عن منازل الفلسطينيين ومنع فصلهم الأليم عن أراضيهم والمس بنسيج حياتهم، وفي أعقاب ذلك باتت التماسات عديدة أخرى الى محكمة العدل العليا لا داعي لها.

لكن الضغوط السياسية والاستيطانية أبقت الكثير من المقاطع المصابة بأمراض الفكر القديم، بعضها، مثل صفين، بلعين، نعلين، ألفية منشه وخربة اجبارة، وبعضها حُسم في محكمة العدل العليا بعد سنوات من المداولات وأضاعت اسرائيل أكثر من 1.5 مليار شيكل على تعديل مقاطع الجدار واعادة الاراضي الى الجانب الفلسطيني من الجدار. وفي أماكن مثل معاليه ادوميم وغوش عتصيون فهم مندوبو الدولة بأنهم سيخسرون في محكمة العدل العليا أمام الاقتراحات لمسار بديل رفعه مجلس السلام والامن الذي يُعرف كصديق للمحكمة، ولهذا فقد أعلنوا، بشكل غريب وعديم المسؤولية، بأن الدولة ترحب بعدم بناء الجدار حالياً في هذه المقاطع. ومحاولة متأخرة لبناء الجدار في غوش عتصيون اصطدمت بمعارضة قاطعة من رؤساء المجالس في غوش عتصيون وأفرات مما ترك ثغرات خطيرة لتسلل الفلسطينيين الى اسرائيل بل وفرصة لقتلة الفتيان الثلاثة لتنفيذ مأربهم.

في أماكن مختلفة مثلما في منطقة بيت آريه، عوفريم، العيزرية وأبو ديس، أوقفت اسرائيل بناء الجدار وأبقت بنى تحتية غير منتهية وغير مستغلة، بكلفة مئات ملايين الشواكل. في أرئيل وكدوميم كان القرار لبناء الجدار بعمق اكثر من 20 كيلو متر من شرق الخط الاخضر ثمرة ضغوط سياسية لوزراء ونواب من الليكود ومن المفدال على رئيس الوزراء في حينه ارئيل شارون، حتى بثمن إبقاء ثغرة بطول كيلومترات في المقطع الأكثر حساسية من ناحية أمنية. في هذه الاماكن لم يُبنَ الجدال على الاطلاق، بسبب تخوف المستوطنين من أنه سيمنع استمرار توسعهم.

بالنسبة للالتماس الحالي الذي رفعه رؤساء الديرين وسكان بيت جالا: فالرغبة في ضم هار جيلو ولدت انطلاقاً من رؤية الواقع على الأرض، فحسب الحكومة الاسرائيلية فإن الثمن الذي طُلب من الفلسطينيين لهذا المسار كان معقولاً: قطع الديرين عن جمهورهما، فصل دير الرجال عن دير النساء. فصل سكان بيت جالا عن أراضيهم، المس بالمشهد وغيره. وأضاف مندوبو الدولة في تصريحاتهم الى المحكمة غايات أمنية لتبرير موقفهم، رغم أن أياً منها لم تكن من أهداف الجدار مثلما وضعتها الحكومة وجهاز الامن نفسهما.

محكمة العدل العليا تمسكت بسوابقها ولم تستسلم للنهج القديم، وهكذا تكون أصلحت ظلماً آخر ألحقته لجنة الاستئنافات، التي بحثت في هيئة مسبقة في هذا المقطع من الجدار، بمجلس السلام والامن. فبعد أن صادقت عليه كصديق للمحكمة، اختارت رئيسة اللجنة منع المجلس من عرض اقتراحه لمسار بديل يُحتمل أن يكون سيمنع الالتماس، أما محكمة العدل العليا فسمحت لمجلس السلام والامن بعرض موقفه ووبخت مندوبي الدولة على سلوكهم في هذا الشأن.

كان بودنا أن نؤمن بأن جهاز الامن والحكومة سيتبنيان المسار البديل الذي اقترحه المجلس، وألا يحاولا تجاوز قرار المحكمة، مثلما فعلا في حالات أخرى. وفضلاً عن ذلك: كان بودنا أن تكمل تل أبيب أخيراً الجدار وتسد الثغرات المتبقية، في صالح أمن سكان اسرائيل. لهذا الغرض عليها أن تتحرر من وهم تحديد الحدود بواسطة الجدار. فقد تبين لنا في محادثات أنابوليس في 2008، بأن الجدار لا يغير موقف الفلسطينيين من الحدود الدائمة، وبالمقابل، تدفع اسرائيل ثمناً مؤلماً على عدم اكماله..

 

حرره: 
م.م