إسرائيل حققت أهدافها من الحرب على غزة

الحرب على غزة

لم يكن المأمول القضاء على حماس وإنما توجيه ضربة قوية لها

بقلم: يعقوب عميدرور

يوجد عند كثيرين شعور بالاكتئاب بسبب نتائج عملية «الجرف الصامد» التي انتهت بعد خمسين يوماً دون أن تنجح اسرائيل في القضاء على حركة حماس، ولهذا الشعور مركبان الاول هو التراث اليهودي الذي يرى ربع الكأس الفارغ – وهو ما أصبح صفة اسرائيلية تحثنا الى الأمام لأننا غير راضين أبداً عما عندنا. وتحثنا هذه الصفة مرات كثيرة على النجاح، ويجب أن نعلم أن عندنا ثلاثة أرباع الكأس الملأى حتى في العملية الاخيرة في قطاع غزة.
والمركب الثاني هو الفرق في التوقعات. فقد كان يخيل لكثيرين أن حكومة اسرائيل كانت تقصد في مرحلة ما إسقاط حماس أو أنه كان يجب عليها أن تقرر ذلك على الأقل، ومصدر هذا الخطأ أقوال أشخاص مهمين لم يبينوا شيئاً واحداً فقط وهو كيف يتم فعل ذلك؟
وقد أوضحت في صفحات هذه الصحيفة أن للحكومة إمكانين بعد تدمير الأنفاق وعليها أن تختار بين احتلال أكثر قطاع غزة – باعتباره الطريق الوحيد لاسقاط حماس – وبين الاستمرار على اطلاق النار مع الزيادة في قوتها حتى التوصل الى تسوية. أما كل الشعارات الاخرى مثل «سحق رأس الافعى» أو «ضرب حماس بصورة خلاقة مفاجئة» أو «تقوية أبو مازن» وما أشبه فهي شعارات جوفاء لا معنى لها اذا لم نُبين كيف نفعل ذلك. وما كان الجيش محتاجاً الى نصائح من مدنيين كي يقتل قادة كباراً وينفذ عمليات صاعقة.
وجد من حاولوا أن يكونوا اكثر وضوحاً واقترحوا «تجزئة القطاع» أو «السيطرة على مراكز التحكم والقيادة وصنع السلاح»، بيد أن هذه اقتراحات لا تأخذ في الحسبان طبيعة القطاع. فـ»التجزئة» ليست نهاية المطاف بل هي مقدمة لعملية أوسع وإلا فلا داعي لها. فشمال القطاع لا صلة له بجنوبه والتجزئة تعرض الجيش الاسرائيلي الى هجمات من كل صوب دون غاية واضحة للقوة المجزئة. وفي مقابل ذلك فان «السيطرة على مراكز القيادة والتحكم ومراكز صنع السلاح» غير ممكنة دون احتلال أكثر المنطقة المبنية في القطاع حيث تنتشر تلك المراكز في المنطقة كلها.
ومنذ اللحظة التي حسم فيها قرار عدم احتلال غزة كان يجب التمسك بذلك بعناد، ولهذا ما كان يجوز الاستجابة لمطالب تنفيذ عملية برية ربما كانت تفضي الى عناوين صحافية وظهور أبطال وبضعة قتلى من حماس، لكنها ما كانت لتسهم أي اسهام في تقصير مدة القتال أو الانتهاء الى شروط أفضل (بل ربما كانت تسهم الى عكس ذلك). ومن المؤكد أن ضررها كان سيكون أكبر من فائدتها إذا كنا بعد خسائر غير قليلة ننسحب باعتبار الانسحاب جزءاً من التسوية. وكان الجميع سيسألون آنذاك: لماذا دخلنا؟ وكانوا في غزة سيعلنون الانتصار عقب الانسحاب.
حرصت اسرائيل الرسمية على قول الحقيقة: وهي أن هدف القتال سوى القضاء على الانفاق هو تسوية تنطوي على «الهدوء مقابل الهدوء». وحينما تبين أن لحماس مطالب أوسع مثل ميناء ومطار قالت دولة اسرائيل القول الصحيح وهو أن عندنا مطلباً وهو نزع سلاح القطاع مقابل أكثر من الهدوء. واذا تحدثت حماس عن توسيع الأهداف فمن الصواب البحث في توسيع أهداف اسرائيل.
لو أن المجلس الوزاري المصغر استقر رأيه على احتلال غزة لنفذ الجيش الاسرائيلي ذلك الامر بتصميم وبلا تردد، لكن لا شك في أن القرار الذي اتخذ بعدم الاحتلال مشروع، بل يوجد من يقولون إنه أكثر صواباً وحكمة.
لا أريد أن اتطرق هنا الى البحث في أنه هل يوجد اجراء أصوب في حالات من هذا القبيل أو أن الاختيار بين حلين صعبين. إن الشيء المهم هو أنه منذ اللحظة التي اتخذ فيها القرار أحسن أصحاب القرار الصنع إذ تمسكوا به ولم يترددوا بين الامكانين. ولو أغراهم أن يقوموا بغير ذلك لاثبات قدرتها لأخطأوا خطأ كبيراً.
ليس عندي أي شعور بالاكتئاب لأنني أدركتُ الاهداف التي أرادت دولة اسرائيل الوصول اليها وهي ضربة قوية لحماس والقضاء على أنفاقها الهجومية وعدم الموافقة على أي تغيير في الوضع الراهن المتعلق بعلاقتنا بغزة وبالقيود التي فرضناها عليها. وأنا أشعر وقد تم إحراز كل ذلك بارتياح من النتيجة دونما وهم في ضرورة البدء بالاستعداد للعملية التالية.

يعقوب عميدرور

حرره: 
م.م