محو الأمية.. حُلم الكبار من الألف إلى الياء

محو الأمية

إيناس أبو الحاج

زمن برس، فلسطين: وراء مقاعد الدراسة يجلسن بشغف، أنظارهن لا تفارق السبورة لعلّ قهر الظروف قد انجلى، كرّاسة تحوي الحروف تعيد المجد للذاكرة والذات.
عند النظر إلى  واقع التعليم في فلسطين لا بد من الإشارة إلى معدلات الأمية، والتي بدورها تسير نحو الانخفاض، وذلك تبعاً للجهود التي تقدمها وزارة التربية والتعليم العالي في طرح مشاريع وبرامج لمحو الأمية وتعليم الكبار والعمل على تخصيص معلمين ومديريين مؤهلين للعمل ومكان مناسب للدراسة.
ولأن الإناث تفوق الذكور في نسبة الأمية، تكون الدافعية لدى المرأة نحو التعليم أكبر، وكونها تعايش الكثير من الظروف التي تجعل طموحها وحاضرها مقيّد بواقعها، فتجد من مراكز محو الأمية فرصة للتعلّم وتعويض ما فات والعمل على رفع الوعي الثقافي، ولكن حتى طلب العلم لم يسلم من فوهة الجهل الاجتماعي.
العلم مش عيب
أم سليمان(62) عاماً من قرية قراوة بني زيد، تُعتبر الأكثر إلتزاما في مركز تعليم الكبار في القرية، تقول "هذه ليست تجربتي الأولى في محو الأمية ولكن الظروف كانت دائما تهزمني، أجبرت على ترك المدرسة منذ الصف الأول لرعاية أخي الصغير كان أبي يقول لي (أخوكي هو مدرستك)، وكان الفقر والظروف الاجتماعية سيئة، ولكنني أملك الدافعية للتعلم رغم كبر سني، وعندي تلهف لقراءة الأخبار وليس سماعها، أتعلم حتى أحمي حقوقي من أي ورقة كانت تحمل رموز في نظري ليس أكثر" .
تضيف " أجد فرقاَ كبيراَ منذ إلتحاقي بمركز محو الأمية، أصبحت أقرأ القرآن وأرتله وأكتب بشكل جيد وبخط جميل.. وجدت التشجيع من زوجي الستيني رغم أنه أميّ، رغم تعليقات البعض على الموضوع أمامه بالقول (راحت الحجة ع المدرسة)، فكان لا يحرك ساكناً،  دوما كان أبو سيلمان يقول لي (روحي تعلمي أحسن من قعدة الحارات).
أم مالك، في العقد الرابع من عمرها ترى في مراكز تعليم الكبار فرصة لإسترجاع الذكريات كونها لم تجتاز المرحلة الإبتدائية  في المدرسة تقول والحيرة تلازمها" لقد التحقت بمركز محو الأمية أكثر من مرة ولكن لم أستطع الإلتزام ..أطفالي كانوا صغارا، وعندما بدأت أجد صعوبة في تدريسهم حتى المراحل الأولى كان دافعي الأقوى للعودة إلى مقاعد الدراسة لعلّي أدرس أحفادي، أتمنى الإستمرار في التعلم وتخطي امتحان المستوى هذا بحد ذاته إنجاز". وجدت أم مالك التحفيز من عائلتها ولكن لم تجد المتابعة فـ 8 أفراد في بيتها يسلبون جلّ وقتها.
وحول قطف ثمار التعب ونهاية المسار تقول أم مدحت(54)عاما إحدى خريجات مركز كفرعين لمحو الأمية وتعليم الكبار" أكبر انجاز في حياتي، تزوجت في الثلاثة عشر من عمري ولم أكمل تعليمي، كانت النظرة السلبية للبعض لا تزيدني الا إصرارا، لم أجد التشجيع في البداية كان أولادي يقولون لي " بعد ما شاب بعثوا ع الكتاب"، وعندما واظبت على الدراسة وجدت التحفيز والمتابعة كانوا يسعدون بما حققت ".
تضيف " لقد تطورت في الكتابة والقراءة وأصبحت أتابع الأخبار وأقرأ الصحف وأناقش في الجلسات المتعددة للجمعيات والنوادي، بل أتقنت استخدام الحاسوب ومواقع التواصل الإجتماعي فأنا أجد نفسي الآن أفضل من حاملي الشهادات العليا".
أجتازت أم مدحت كغيرها من الخريجات امتحان المستوى بعد عامين من الإلتزام بالدراسة والحصول على شهادة مصدقة من وزارة التربية والتعليم العالي. ولكن الاشكالية في رأي خريجات مراكز تعليم الكبار أن استكمال الخطوات والتطور في التعليم يقف عند الحصول على الشهادة كون المتقدمات لدراسة الموازي تتمركز في مدرسة ذكور رام الله، وبذلك تكتفي الدارسات بما أبدعن في اجتيازه .
في السياق ذاته عبرت ذيبة إحدى المعلمات المؤهلات لتدريس النساء في محو الأمية أن تعليم الكبار أصعب من الطلاب في المراحل الدراسية فـ "العلم في الصغر كالنقش في الحجر" ، ولكن القابلية موجودة والاندفاع لدى المقبلات على الدراسة، وخاصة من كبار السن كونها فرصة وليست فرض تجعلهن يواظبن على التواجد والاستفادة".
وأشارت الى ضرورة رفع الوعي وعدم حرمان أي فئة من طلب العلم "أعمل على نشر الفكرة لدى الطالبات في المدرسة وتوعيتهن حول تعليم الكبار لتشجيع الأهل وخاصة الأمهات للإقدام على هذه الخطوة فـ "العلم نور".
في حين ترى رانيا مدرسة الرياضيات، في أحد مراكز محو الأمية أن تعليم الكبار أسهل من الصغار واستيعابهم يكون أكثر، ولكن يحتاجون إلى معاملة خاصة كونهم أكثر حساسية اتجاه بعض الأمور وبعض الوسائل التي يتم استخدامها في التوضيح كالعداد في الرياضيات، ويجب الحذر في التعامل والتصرف كونهم كبار في السن".
تقول" حتى علامة الصح وبعض الكلمات التحفيزية وصوت الجرس تجعلهن مسرورات كطفل في عامه الدراسي الأول ".
من ناحية آخرى، قال الأستاذ المخضرم في مراكز محو الأمية زايد البرغوثي ، إن المتقدمين لهذه المشاريع أغلبهم من الإناث، حيث تفوق أعدادهن ضعف الذكور على الرغم من المعيقات الإجتماعية وحكم العادات والتقاليد، إلا أن المرأة أكثر إلتزاما مع اختلاف الفئات العمرية، ولكن الإشكالية تكمن في أساليب التدريس الأكثر إقناعا وأقل حساسية.
ويضيف البرغوثي" كثيرة هن النساء اللواتي تخطين إمتحان المستوى، وأولادهن افتخروا بهذا الإنجاز، بالرغم من أنهم كانوا المعيق الأول في هذه الخطوة".
انجازات رسمية
أثنت المشرفة التربوية ومديرة مركز قراوة وكفرعين لتعليم الكبار ومحو الأمية ميسون دار العيس، على دور وزارة التربية والتعليم العالي، وما تقدمه من برامج ومشاريع لخفص معدّل الأمية في فلسطين، ودعم المراكز بتوفير الكتب المجانية والقرطاسية والحرية في استخدام مرافق المركز أو المدرسة، وأي وسائل تسهل المهمة كالمكتبة والأفلام التوضيحية التعليمية، دون أي عبء مالي على الطالبة.
وحول نظام التدريس قالت" تنتظم الدارسة في برنامج تعليمي على مستويان، ثلاثة أيام في الأسبوع لدراسة اللغه العربية والرياضيات والتلاوة، بالإضافة لكتاب"مع الحياة" وهو عبارة عن ثقافة عامة. ومن ثم تتقدم الطالبة لإمتحان الإجتياز يعقد على يومين ويتم تحديده من قبل الوزارة، ومن تنجح  تحصل على شهادة مصدقة من وزارة التربية والتعليم العالي، لتتمكن من التسجيل لموازي مدته عامين لتحصل على شهادة الصف التاسع، وبإمكانها المتابعة والتقدم لإمتحان الثانوية العامة كدراسة خاصة.
وتبعا لما تقوم به وزارة التربية والتعليم تعتبر معدلات الأمية في فلسطين من أقل المعدلات في العالم، حيث بلغ معدل الأمية من عمر 15 فأكثر 3.7% في العام 2013، وتشير الإحصاءات إلى أن معدل الأمية بين الذكور بلغ 1.6% في حين بلغ بين الإناث 5.9% في نفس العام.
هناك الكثير من النساء اللواتي التحقن في برامج تعليم الكبار ولم  يلتزمن في طلب العلم، وذلك لأسباب مختلفة أهمها الظروف الإجتماعية التي تتمثل في النظرة السلبية لتعليم الكبار والتجريح في بعض الكلام الموجه لهن كـ " أعطوهن مصروفهن" و "طلّت ام الشنطة" ، وبالتالي التأثير عليهن، مما يحد من توجههن للدراسة، إضافة لمسؤولية المرأة في بيتها وعنايتها بأطفالها، ناهيك عن أن البعض منهن لم يجدن التحفيز من الدائرة المحيطة بهن، وخاصة الزوج الذي يجد ذلك "عيب" وبلا فائدة.
تستهوي مراكز محو الأمية نسبة من النساء المطلقات والأرامل والحالات الاجتماعية وربات البيوت، التي تجد في هذا البرنامج متنفساً لهن لرؤية الناس وخلق علاقات اجتماعية وإشغال الوقت وتجديد المعلومات، إضافة الى الكثير من الموظفات العاملات بأقل من الحد الأدنى للأجور بكثير كونهن أميّات،  لتجد في هذه المراكز فرصة لتجديد الذاكرة وتنشيطها وتمجيد الذات.
التعليم حق .. فإذا سُلب في الصغر.. يُصبح عيباً في الكبر؟؟!! .

حرره: 
م.م