الكارثة المالية للسلطة.. مجرد وقت

عندما تأكد تعيين الدكتور نبيل قسيس وزيراً للمالية، تملّكت كثيراً من أصدقاء الرجل الذي يعرفون عصاميته، مشاعر الإشفاق عليه، لأنه حُمِّل ومن حوله اليوم، حملاً ثقيلاً جدّاً... هي تبعات سنين طوال من الوضع المالي والاقتصادي الصعب والمعقّد. البنك الدولي وفي تصريحات على لسان نائبة الرئيس لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا إنغر اندرسن عبّر عن القلق الشديد من تفاقم الأزمة المالية في الضفة الغربية وقطاع غزة. البنك الدولي شدد على ضرورة تنشيط القطاع الخاص لأنه أحد الضمانات الأساسية لتوفير فرص العمل. لنبدأ بوضع القطاع الخاص، الذي يواجه اليوم تحديات كارثية جرّاء الديون الضخمة المستحقة له على السلطة. ديون القطاع الخاص تزيد على المليار شيكل(باستثناء البنوك التي لها ديون ضخمة واستغلت الحكومة الحد الأقصى من التسهيلات)، وكثير من المؤسسات التي لها ديون مستحقة مضطرة، تحت ضغط عدم القدرة على تحصيل مستحقاتها، لتخفيض عدد موظفيها أو فرض سياسة تقشّف تنعكس سلباً على مجمل نشاطاتها، فكيف سيمكنها هذا الوضع من خلق فرص عمل جديدة، أو التوسع في عمليات الاستثمار..

بل إن بعض شركات القطاع الخاص أصبح على شفا الانهيار، وان الفوائد التي يدفعها للبنوك أكثر من الأرباح التي تم جنيها. إذن هي خسارة صافية، بمعنى آخر انعكاس الأزمة المالية على القطاع الخاص يعني أن القطاعين الأساسيين العام والخاص أصبحا مريضين بهذه الأزمة، والتي إذا ما استمرت وتراكمت سلبياتها ربما ستؤدي إلى إعلان الموت السريري لكلا القطاعين. الأزمة المالية أجبرت وزارة المالية على عدم ضخّ الأموال المستحقة لصندوق هيئة تأمين المعاشات، وأصبحت الديون المتراكمة للصندوق أكثر من مليار شيكل..

بمعنى آخر فإن الموظفين المتقاعدين العسكريين والمدنيين سواء كانوا على ملاك منظمة التحرير أو السلطة، قد لا تكون رواتبهم موجودة أو متوفرة إذا لم يتم إيجاد حل لهذه المشكلة. أما الرواتب الشهرية للموظفين العموميين فهي أصبحت تحت رحمة المانحين والمتبرعين، إذا دفعوا صُرفت الرواتب وإذا لم ... فالصبر مطلوب حتى الفرج القريب. بمعنى آخر، أصبحت الرواتب كالزراعة البعلية في بلادنا تحت رحمة المنخفضات الجوية العربية والاجنبية، إذا أمطرت ابتهجنا وإن أمسكت أمحلت.. ويبدو أن الأمطار القادمة من منخفضات العرب أصبحت شبه معدومة، والآتية من الغرب محمّلة بالضغوط والشروط الكثيرة. إن أحد أهم أسباب الأزمة المالية، وهي أسباب كثيرة، هو الانقلاب في قطاع غزة.. لأن وزارة المالية تصرف 35% من ميزانية السلطة على القطاع الذي لا تجبي السلطة أي عائدات منه، إذاً 35% مصروفات مقابل صفر% إيرادات.

في الوقت الذي يزيد فيه عدد المليونيرات الجدد في قطاع غزة على 600 مليونير أغلبهم أغنياء الانقسام والأنفاق.. ورغم ذلك لا يعترف قادة غزة "الجدد" بهذا الواقع ويحاولون تجاهله.. بمعنى آخر هم يراكمون الثروة ويحكمون ونحن ندفع الضرائب، ويقتطع من أفواه أطفالنا من أجل أغنياء الحرب الجدد. المصدر الأخير للإيرادات هو عائدات "المقاصة" وهي الضرائب التي تجبيها إسرائيل من الواردات للأراضي الفلسطينية، وتصل إلى حوالي 500 مليون شيكل.. تظل المتنفس الأخير، ولكن "الحنفية" بأيدي "العدو" فكيف سنراهن على هذا الوضع؟ نحن أمام إعصار مالي حقيقي.. وضعنا غير مريح، بل إذا ما استمر سيصل إلى حد الكارثة.. إذاً هي مسألة وقت فقط في ظل المعطيات السياسية والاقتصادية المحلية والعربية والدولية، ولغة الارقام خير دليل على ذلك!! مرة أخرى أعان الله د. قسيس ومن حوله!!.