دراما في صنعاء

أيادي إيران الطويلة هي ما يثير الأعصاب في الخليج وليس مليارات صالح
بقلم: سمدار بيري
في أحد المشاهد القوية للرواية المصرية واسعة الانتشار «عمارة يعقوبيان» يتلقى رجل أعمال محلي استدعاء عاجلا للقاء «الكبير». فيأتي إلى منزل سكني فاخر في حي اعتباري، يمر بين الحدائق إلى بركة السباحة ويدخل الصالون. صوت مجهول يطلب منه الجلوس، أمام حائط فارغ. ودفعة واحدة تظهر أمام عينيه شاشة تلفزيونية. ولدهشته يكتشف رجل الاعمال أنه يجلس وجها لوجه أمام حاكم الدولة.
يتوجه «الكبير» إلى الاعمال مباشرة: اذا كنت تريد الحصول على الوكالة لاستيراد سيارات شركة تيوتا اليابانية، فعليك أن تلتزم باقتسام الارباح. أنا وابنائي سنحصل على 40 في المئة من كل صفقة. يحاول رجل الاعمال الجدال، يشرح بان عليه أن ينشيء المصنع، ان يستأجر المخازن، ان يدفع مئات الرواتب. ولكن «الكبير» الذي لا يذكر اسمه، يلتصق بالانذار: إما ان تدفع حتى آخر دولار أو لا تكون لك رخصة الوكالة.
أيبدو لكم خياليا؟ في نهاية الاسبوع انكشف المال الاسطوري لرئيس اليمن المخلوع، علي عبدالله صالح. في الـ 33 سنة من الدكتاتورية العنيفة التي أدارها في الدولة العربية الاكثر فقرا، تمكن من أن يسرق لنفسه، لابنائه، ولقادة اجهزة الامن، 60 مليار دولار. 2 مليار دولار في السنة، إلى أن طرد من القصر في صنعاء.
صالح، بالضبط مثل الوصف الدراماتيكي في «عمارة يعقوبيان»، فرض نفسه على صفقات استيراد النفط والغاز، السيارات والاجهزة الكهربائية، وحقق لنفسه عشرات في المئة على حساب 12 مليون من سكان اليمن الذين يعيشون في فقر مدقع.
وقد حرص على أن يوزع المليارات على عشرين حساب بنكي سري فتحها لنفسه في أرجاء العالم. وعندما اسقط، قبل ثلاث سنوات، في عاصفة الربيع العربي، نجح في أن ينتزع صفقة: فقد سمح باقامة حكم جديد في اليمن، على أن يحصل ابنه البكر على منصب كبير وينال هو نفسه حصانة قانونية ويواصل ادارة نمط حياته الذي يفقأ العيون في قصر فاخر وبركة سباحة كبرى. اما من يحلون محله فيلتزمون بعدم الاقتراب من اموال الرشوة.
وكان ثراء الرئيس اليمني واساءة استخدام مكانته مثابة شائعة تتناقلها الافواه إلى الاذان. ولكن القبضة الحديدية للدكتاتور اخافت كل من حاول فتح فمه، وفي العالم لم يتكبدوا عناء الملاحقة إلى أين ذهبت المليارات. اليمن بعيد، بائس وغير مثير للاهتمام. والان، مع المال الذي يتجاوز الخيال، يلعب صالح دور النجم في المكان الخامس في قائمة اثرياء العالم.
هذه الفضيحة تحتل الان العناوين بسبب الصراع الذي يديره الرئيس المخلوع ضد من حل محله. ويعزز صالح الحوثيين الشيعة الذين يعملون بالهام إيراني ويدفع الرواتب لقادة الثوار الذين سيطروا على العاصمة صنعاء، وادخلوا الرئيس الحالي عبدالهادي منصور إلى الاقامة الجبرية وحلوا البرلمان والحكومة. لقد تمكن منصور في نهاية الاسبوع من الفرار متخفيا إلى مدينة عدن الجنوبية، ومعه انتقلت السفارات الاجنبية الكبرى. واستيقظت الامم المتحدة دفعة واحدة. وأخذت الايادي الخفية تبحث عن المليارات المسروقة، واتخذ بحق صالح قرار حظر الخروج من اليمن.
ما يحصل في اليمن يثير الاعصاب في الخليج الفارسي. ليست المليارات بل ايادي إيران الطويلة. اذا ما وقع الاتفاق الإيراني الامريكي، واذا ما رفعت العقوبات الاقتصادية وخرج آيات الله عن العزلة، فان السعودية ستدخل في الوهابية المتطرفة. لم يعد هذا محور إسلامي معتدلا مقابل مجانين الإسلام، بل شيعة متطرفون حيال سنة كفاحيين. هذا يعني ان المساعدة السعودية لمصر في خطر، هذا يعني انعطافة خطيرة في الخليج. السيسي رئيس مصر يشخص ما يجري. وهو يدعو إلى تشكيل ائتلاف عربي ويعقد قمة في شرم الشيخ في الشهر القادم. سوريا فقط غير مدعوة. ويستعد اليمن للوصول، وليس واضحا من سيترأس وفده.
يديعوت