التعامل مع العمليات الإرهابية

المواجهة الشاملة مع المشكلة لا يمكن أن تكون جهد دولة واحدة فقط
بقلم جابي سيبوني
تحليل سابق للعمليات العفوية والتحقيق مع عدد من منفذي العمليات الذين تم القبض عليهم وضعت تصورين اساسيين من الممكن ان يساعدا في بلورة رؤية جديدة. التصور الاول، هو الشخصية الاساسية للمنفذ، والتصور الثاني، هو تصرفات المنفذ قبل العملية وقريبا منها. التحدي الاستخباري الرئيسي هو هل في خلق منهجية مناسبة للكشف عن المنفذين العفويين في وقت مبكر على قاعدة تكنولوجية موجودة وتمت ملائمتها. على هذه المنهجية يجب الاستناد على عدة عناصر: توصيف شخصية المنفذ المحتمل، وانتماءه لمجموعة خطرة محددة، تصنيف مجموعة الخطر وفقا للانتماء المجتمعي والفكري، فحص الاعمال الحديثة في عالم المادي والفضاء الالكتروني. هيئات الاستخبارات والامن في العالم يمكنها ان تواجه هذا التحدي الهش بملائمة القدرات التكنولوجية والعملياتية الموجودة وايضا مقاومة الإرهاب العفوي, ولكن المعايير القضائية والاخلاقية من المتوقع ان تضع عراقيل امام امكانية تنفيذها.
السمة البارزة للعديد من العمليات، التي تم تنفيذها مؤخرا في البلاد وفي العالم من قبل مجموعات إسلامية، هو انها عمليات مستقلة، عفوية، وغير مخطط لها، من قبل المنفذين. واحيانا يطلق على هؤلاء المنفذين «الذئاب المعزولة».
فعلى عكس اسلوب النشاطات المعروفة للعمليات الانتحارية، فإن المنفذ العفوي يعمل بدون دعم لوجستي، استخباري او عملياتي، وكذلك بدون توجيه من خلية او جهاز منظم. لهذا السبب، فإن الظاهرة تضع تحديا فعليا امام الاجهزة الامنية في الدول، التي تم فيها تسجيل ارتفاع في معدلات العمليات العفوية. خاصة في اسرائيل وفي الغرب بشكل عام.
نظرية الاحباط المسبق التي طورتها اسرائيل على ايدي جهاز الامن العام، والتي ركزت على العمليات الانتحارية، تستوجب مقدرة استخبارية شاملة، استندت على الافتراض ان معظم العمليات تتم بتوجيه من قبل موجهين وبمساعدتهما. في غالب الحالات وجدت سلسلة عملياتية ولوجستية داعمة، خلقت الشروط للتنفيذ لدى المنفذ. بسبب هذه الشروط: التزود الاستخباري بخصوص الهدف، ربط العبوة الناسفة او الوسائل القتالية الاخرى المطلوبة من اجل التنفيذ. تدريب المنفذ، نقله إلى محيط الهدف، تأمين المساعدة لعائلته من اجل إقناعه بانه سيكون هناك من يعتني بها بعد قيامه بمهمته. الجهاز العملياتي واللوجستي هذا يزود الاجهزة الامنية امكانية جمع المعلومات الاستخبارية المسبقة، وتقدير صورة التهديد، ولاحقا ـ العمل لاحباط العملية عبر الوسائل التنفيذية. إلى جانب وسائل الاحباط الاخرى مثل جدار الفصل. منظومة الاحباط هذه ساهمت كثيرا في ان العمليات الانتحارية التي وقعت في السنوات الاخيرة تناقصت كثيرا.
وفي مقابل ذلك فإن احد السمات الرئيسية للعمليات العفوية، مثال عمليات الدهس التي وقعت في الاشهر الاخيرة في القدس وفي غوش عتصيون، او الهجوم على المقهى في سيدني، باستراليا، في كانون اول 2014 وكذلك الاعتداء على افراد الشرطة بالسكاكين في نيويورك، في تشرين اول من نفس العام، كان غياب التوجيه الخارجي والبنية التنظيمية التحتية للاتصالات. منفذي العمليات عملوا انطلاقا من الدافع الذاتي- على ما يبدو المستوحاة من عمليات خلايا منظمة، ولكن ليس بتوجيه من هذه الخلايا او عبر علاقة مباشرة معها. التعامل مع مثل هذا التحدي من العمليات يستوجب ملائمة نظرية الاحباط لتحديد تشكيل وسائل استخبارية وعملياتية محدثة.
التحليل المسبق للعمليات العفوية والتحقيق مع عدد من المنفذين الذين القي القبض عليهم اشارت إلى وجود سمتين اساسيتين تمكن من بلورة نظرية محدثة. السمة الاولى – هو شخصية المنفذ الرئيسية. والحديث يدور عن التضامن العميق للمنفذين مع اسس الفكر الإسلامي. هذا المزاج يجد تعبيره، في العديد من الاعمال، وفي الحوار الدائر في شبكات التواصل الاجتماعي بين المنفذين ومحيطهم وروابطهم الاجتماعية، التحقيق مع هذه الروابط يشير، انه من الممكن تشخيص موجة التطرف الجهادي في اوساط المنفذين. لغرض المتابعة الاستخبارية.
والسمة الثانية ـ هو تصرف المنفذين قبل العملية وقرب موعد تنفيذها، احيانا يكون الحديث عن ساعات قليلة فقط ـ انها طبيعة العملية العفوية. التحقيق حول عمليات من هذا النوع اظهرت، انه في المدى القصير قام المنفذين بتصرف ما في شبكات التواصل الاجتماعي، وعملوا ترتيبات اخيرة، وانفصلوا عن عائلاتهم واصدقائهم. سابقا، كان من الممكن تفسير هذه النشاطات كاستعداد للعملية وللامكانية المنطقية انهم لن يعودوا للحياة بعد التنفيذ. تصرفات كهذه من قبل اشخاص، يستجيبون للشخصية الإسلامية المتطرفة، من الممكن ان تكون مؤشرا وشاهدا على النية بالقيام بالعملية، ولذا يجب ان يكون اساسيا ان يتم الاحباط خلال فترة زمنية قصيرة على قاعدة الدمج بين سمتي التصرف هذه، بل من الممكن بناء لمحة عن شخصية المنفذ المحتمل ولوضع حد للخطر الذي يشكله. تنفيذ هذه الرؤية يستوجب الدمج بين قدرتين رئيسيتين. الاولى هي القدرة التكنولوجية، التي تمكن من تتبع وراء المعطيات بصورة مكثفة واعطاء بيانات خلال وقت قصير.
بالاضافة إلى انه مطلوب قدرة عملياتية للقيام بإعتقال وقائي او اعمال احباط اخرى ـ وذلك وفق جدول زمني آني وسريع.
التأكيد على القدرة التكنولوجية اللازمة ليس جديدا. احباط عمليات مالية عبر الانترنت، فعلى سبيل المثال، يستوجب شركات تجارية تمتلك (BIG DATA) لايجاد طرق للتقليل من الظاهرة. مثلا، فإن مراقبة بطاقات الائتمان يستلزم وسائل جمع بيانات وتحليلات خلال جزء من الثانية، عبر استخدام وسائل متطورة، واحتساب نشاطات بطاقات الائتمان الغريبة التي تتطلب تدخلا او وقفا لعمليات تحويل مشبوهة. تكنولوجيا من هذا النوع تستخدم حاليا لاغراض امنية بهدف جمع المعلومات الاستخبارية. تسريبات ادوارد سنودن جعلت من الممكن تصور عظمة وسعة امكانية جمع المعلومات من الانترنت من قبل الولايات المتحدة، ووسائل الاتصال الاخرى. اساس الجهد الذي يستخدم في اكتشاف النوايا لتنفيذ العمليات العفوية ومن اجل احباطها، يكون عبر تحليل استخباري للعمليات المرتبطة بالانترنت في وقت الحقيقة.
التحدي الاستخباري الرئيسي هو: هل في خلق منهجية مناسبة للكشف عن المنفذين العفويين في وقت مبكر على قاعدة تكنولوجية موجودة وتمت ملائمتها؟ على هذه المنهجية يجب الاستناد على عدة عناصر: توصيف شخصية المنفذ المحتمل، وانتماءه لمجموعة خطرة محددة، تصنيف مجموعة الخطر وفقا للانتماء المجتمعي والفكري، فحص الاعمال الحديثة في العالم المادي والفضاء الالكتروني. الدمج بين القيم التي تشير تجاه كل عنصر تساعد في وضع نهاية للخطر الذي يشكله المنفذ العفوي. المعلومات الاستخبارية التي يتم جمهعا ضرورية لتدعيم القدرات اللوجستية والعملياتية التي تهدف إلى إحباط العملية وتنفيذ الاعتقالات ـ خلال عدة ساعات قليلة من لحظة التحذير وفي منطقة جغرافية واسعة.
قضية اخرى ذات علاقة، هي الجوانب الاخلاقية والقانونية لمنظومة الاحباط الموصى بها. بدون شك، فإن الهيئات الاستخبارية والامنية في العالم الغربي بإمكانهم مواجهة التحدي المتعلق بالدمج بين الملائمة بين القدرة التكنولوجية والعمليات الموجودة في النضال ضد الإرهاب العفوي. ولكن، المؤشر القانوني والاخلاقي لتنفيذها من المتوقع ان يشكل عائقا امام حقيقة ايجادها. بناء شخصية الخطر الذي يشكله المنفذ المفترض وتنفيذ اعتقال احترازي على هذا الاساس، تثير ـ بطبيعة الحال ـ معارضة، ويمكن تأويل التفتيش كسيطرة «للاخ الاكبر» بين المواطنين وانتهاك الخصوصيات سيكون من الصعب ابتلاعها. ومن جهة اخرى، فإن التغلب على المنفذين المحتملين يستوجب مواجهة غير اعتيادية ـ حتى ولو نجم عنها الحاق الضرر بالخصوصيات. علاوة على ذلك، المواجهة العامة مع المشكلة لا يمكن ان يكون جهد دولة واحدة فقط ـ مهما كانت متطورة وصاحبة موارد.
المطلوب جهد مشترك من قبل المنظمات الامنية في الدول، للمواجهة الجماعية للتحديات المشابهة. اسرائيل كدولة ذات قدرة تنفيذية واستخبارية متطورة وقدرة تكنولوجية مؤثرة، بإمكانها ان تكون شريكا ومن الممكن ان تقود اجراء لتطوير نظرية احباط دولية مناسبة.
نظرة عليا