يرجع عنّــا وطـــن

مرة...كان عنا وطن..راحوا الأسياد الإنجليز "وقتها كانوا أسياد"، مسكوا هالوطن وأعطوا للمشردين اليهود، واعطونا احنا شرف جيرتهم، ونسّونا لسنين اطوال انو في اشي غلط صاير، ليش غلط ما دام حقك محفوظ، وعليك وصاية "من بلاد برة". لما اصحينا اشوي لقدام، أجت فصايلنا قاومت وحاربت، ضحينا واستشهدنا، حييّنا بعض مرّات وخوّنا بعض مرات..مش إشكال..في النهاية كلنا بدنا نفس الهدف..يرجع عنا وطن..

بعدها..وبعد ما جيرانّا عرفوا مين إحنا..وخافوا همّا وأسيادهم منّا لأول مرة..بلشوا يتفاوضوا..يوخذوا ويعطوا..شدينا على حيلنا مرة وحدة وأعلنا الدولة..بس ظلت مطامع جيرانّا واضحة..ورغبتهم لمسحنا وتهجيرنا أوضح..ارجعنا شدينا عحيلنا مرة ثانية..وانتفضنا..وبحجر ومكليعة خوفنا الجيش وقياداته..ومع تعدد الفصايل اللي رموا الحجار..برضوا كان هدف الكل واحد..يرجع عنا وطن..

خلصت الهبّة وخلصت الانتفاضة، وقطفنا منها ثمر كثير..بس في ثمرة إسمها أوسلو كانت خربانة ومخمجة، قلنا يلّا..ابنقطفها مع غيرها حرام..بلكي بعد ما شلنا الخماجة منها..رايح يطلع منها جزء امنيح..هو نفس الجزء اللي برضو كلنا متفقين عليه..يرجع عنا وطن.. مشى الوقت ومرت الأيام..صار عنا "دولة".. حتى لو احدودها زي المغيطة..بس بتضل دولة واسمها فلسطين..ناس في هالدولة كانت تكبر "مش بالعمر" كل يوم..وناس غيرهم بنفس الوقت كانت تصغر كل ثانية..والمصيبة إنو الكبير طايح ببرّر في ثرواته انها لمصلحة الجميع..والصغير مسخوط وراضي..وبرضو بحكي..معلش..فدا الجميع..والمصيبة الأكبر إنو الإثنين برضو زي بعض..وبدهم "حسب التصريحات الرسمية"..يرجع عنا وطن..

انتفضنا مرة ثانية..هالمرة حملنا سلاح..وركبنا سيارات وجيبات.ولسخرية القدر..كانوا جيرانا ايناموا منيح في الليل لأنوا رصاصنا ما بوصلهم أصلاً..وكانوا ايضلوا ميتين من الخوف الصبح من حجار الاولاد على الحواجز..نفس الحجار من الانتفاضة الاولى..بس هالمرة كانت أصغر الحجار..لأنه الحجار الكبيرة استعملوها اكبارنا في قصور عيبال وجرزيم..ومن منبر هالقصور ضلوا مقنعينا إنو بدهم زي ما بدنا..يرجع عنا وطن..

ممنونكم..وعلى راسي من فوق يا كبار..من تشابك مصالحكم واتفقاتكم صار بدنا تلسكوب عشان انلاكي بينها هالوطن..ومن تهدم وتشتت مصالحنا صار بدنا خيط وإبرة..تنرجع من جديد انخيط اعلام ولافتات..نرفع عليها صوتنا للي مش سامعين صوتنا..الخوف إنو ما يقروها لأنها مش تصميم فرنسي..أو الألعن يقروها..وينسوا..إنو اللي طالبينو هو اللي بجمعنا بكرامة إحنا وهمّا..يرجع عنا وطن..

تعقيد وتشابك هالمصالح هو اللي وصلنا للي صار..من هذا التعقيد ضاعت المبادئ والقيم والأخلاق اللي كانت راس مالنا القرن الماضي كله..وصار اللي بهدم دورنا ومؤسساتنا وبغتال قياداتنا وبضغط بإيده على مفاتيح الصواريخ اللي ابتمسحنا، صار يتسمى "ضيفنا"..ويدعس برجله زي ما دعس بدبابته على أرض المقاطعة..وبعدها يطلب ويتأمّر..مشكلتي إني صرت أتمنى أشياء غريبة..فأول ما خطر في بالي لما اسمعت هالأخبار..إنّا نرجع للنكبة مرة ثانية..ونطلع مسيرات واحتجاجات بصدور عارية..لأنه وقتها..لو انطخ الواحد فينا من جيرانّا..بنقول عليه شهيد..مش مشاغب..وبنفس الوقت..ابنرجع بنعيد احساباتنا..بلكي اعرفنا كيف انرجع الإشي اللي بدنا إياه..يرجع عنّــا وطـــــن...

عيسى مـــاجد رشماوي- بيت ساحور