حين يكرر التاريخ نفسه

ايران اسرائيل

يوم الخميس الماضي بدأ الانفعال: لقد خرجت وكالة الانباء الفرنسية بنبأ يفيد بانه تحقق اتفاق مع الإيرانيين. وفي القناة 8 في الكوابل، بث وبالتأكيد بالصدفة، فيلم وثقائي اظهر ضعف وقصر نظر الزعماء الذين تراجعوا امام هتلر وتركوه يبتز اتفاق ميونخ. وبرأي معظم باحثي ذاك العهد، لم يكن الجيش النازي جاهزا في حينه (ايلول 1938) لحرب شاملة ضد القوى العظمى الاوروبية، ولولا الانهزامية والمصالحة، ولا سيما البريطانية، لكان ممكنا منع ترك اقليم السودات لمصيره؛ وما ان ترك لمصيره حتى لم يعد ممكنا المنع بالقوة السيطرة على باقي تشيكوسلوفاكيا.
ولكن رغم حقيقة خرق اتفاق إثر اتفاق، فان زعماء اوروبا، وعلى رأسهم نويل تشمبرلين، تجاهلوا صرخات النجدة، التحذيرات الاستخبارية وتنبيهات الزعماء القلائل والشجعان (ممن اعتبروا كمن يدقون طبول الحرب) ممن رأوا الوليد.
لا اشك في أن القناة 8 حاولت من خلال البث الاعراب عن رأيها في الاتفاق المتبلور مع إيران ـ فلا يمكن على الاطلاق التشبيه بين تشيكوسلوفاكيا في 1938 وبين اسرائيل في 2015. فالجيش الإيراني لا يمكنه أن يحتل دولة اسرائيل. واذا ما هاجم من بعيد بسلاح باليستي، وحتى برؤوس نووية، فان إيران ستباد، واسرائيل حتى لو نزفت فستنجو.
رغم الاختلاف الجوهري بين الفترتين والوضعين، ثمة مع ذلك مقايسة: سلوك النعامة لزعماء القوى العظمى، الذين يفضلون المصالحة على الاقتلاع العام للاسنان السامة، ناهيك عن أنه بوسعهم، في حينه مثلما هو اليوم، ان يفعلوا ذلك ـ وقبل نقطة اللاعودة. إيران تقوم بمظاهر الابتلاء كي تثبت التراجع الاساس من براك اوباما، الاحتفاظ وان كان بحجم أقل، باجهزة الطرد السامة، كي تضرب بها عندما يحل اليوم.
إيران تضرب منذ الان ـ وان لم يكن بالسم النووي ـ في اليمن وفي مئات المواقع الاخرى التي تستخدم فيها، تحت هذا الغطاء أو ذاك، فروع الإرهاب. وتراقب أذرع الاستخبارات لدى القوى العظمى كل هذا وتعرف كل شيء ـ مثل الاستخبارات الانجليزية في 1938 ـ ولكن السياسيين على حالهم. ولولا الضغط الهائل الذي مارسته اسرائيل ـ والادق، بنيامين نتنياهو حتى ضد المعارضة المستخفة من الداخل ـ على الادارة والرأي العام لا شك أن التنازلات للقوة العظمى الإرهابية الإيرانية كانت ستكون أكبر بكثير.
وبدلا من الوقوف إلى يمين سياسة حكومتهم، فان اسرائيليين غير قليلين، بمن فيهم من تبوأ مناصب أمنية حساسة، ساروا على خط واحد مع سياسة اوباما وأطلقوا تصريحات عززت مسار التنازلات الامريكي. وقد تمسكوا جدا بالاملاء الامريكي. فكيف بنا ننزل باللائمة على زعماء الغرب الناكرين للواقع.
تكتب هذه الاقوال في الوقت الذي تعرض فيه في لوزان المعركة الاخيرة في مسرحية العبث، حيث من شأن إيران ان تخرج ويدها العليا. ومع ذلك هنا بارقة أمل ان تكون النهاية مختلفة: مؤشرات معينة تشهد على ان واشنطن تشدد المواقف، وبالتأكيد بسبب ضغوط اسرائيل، موقف الكونغرس وصحوة بعض وسائل الإعلام المؤثرة.
في تل أبيب ايضا، التي قالت «لا» لنتنياهو، يمكن أن نشعر ببدء الصحوة. مئير داغان ويوفال ديسكن يغلقان فميهما. كما أن وفرة «الخبراء في شؤون الامن»، ممن افقدت كراهية نتنياهو لهم العقل، لم يعودوا يخرجون عن صوابهم كي يبرروا موقف الامريكيين. ولعلهم تعلموا درسا واحدا أو اثنين من سلوكهم غير المحترم عشية الانتخابات، من تأييدهم لمصيبة اوسلو، لفك الارتباط، للانطواء، ممن يوقع الكثير منهم عليها، وللانسحاب الكامل من الجولان.

هآرتس