المعالجة السياسية بدل الأمنية

جاء تعليق عمل لجنة الانتخابات في غزة، ليبرهن على أن مناخات العلاقة بين السلطة الوطنية و"حماس" ما تزال ملبدة، ويصعب معها الإقلاع الى أفق آخر. وباعتبار أن تحديث سجل الناخبين، الذي تؤديه لجنة الانتخابات، يمثل مؤشراً على وضعية المصالحة؛ فإن تعليق هذا العمل، يدل على انتكاسة صادمة. ولا يصح حيال هذا الأمر، التقليل من أسباب هذه الانتكاسة واختزالها في رغبة "حماس" التهرب من الوفاق الوطني. هناك في الواقع، ملفات كان ينبغي تسويتها بالتزامن مع بدء عمل لجنة الانتخابات. فـ "حماس" تتحدث عن اعتقالات في الضفة، كذلك فإن "فتح" تؤكد على أن هناك معتقلين واعتقالات في غزة. لكن ما يحدث في الضفة ليس ممارسة فتحاوية، وإنما هي من عمل السياسة الأمنية للسلطة في الضفة، بخاصة بعد أن واجهت الأجهزة محاولات ما تزال مستمرة، لإعادة الفلتان في منطقة جنين. ولا نعلم في الحقيقة تفصيلات وملابسات ما يحدث، لكن زملاءنا من أعضاء "المجلس الثوري" من جنين، أكدوا على وجود تجاوزات طالت فتحاويين دون مبرر. بالتالي فإن الحديث عن اعتقالات لحمساويين، ربما يستند الى وقائع. وهذه هي المسألة التي ينبغي مناقشتها واستجلاء أمرها بشفافية، بصرف النظر عن ممارسات "حماس" في غزة. ومفتتح النقاش هو السؤال: هل يتناغم عمل الأجهزة الأمنية مع خيار أو هدف الرئيس محمود عباس القاضي بتحقيق المصالحة الوطنية؟ إن كان هذا العمل لا ينسجم، فهذه مشكلة من شأنها التسبب في عرقلة التوجه الوضع الصحي والديموقراطي، لأننا المعنيون قبل غيرنا بصدقية الطرح الوفاقي وجديته. ولا يغيب عن بالنا، بأن أبسط الممارسات من أمن السلطة وشرطتها، تُفسر بأضعاف حجمها، من قبل المجتمع الذي يفترض أن السلطة ليست حزباً ولا فئة ولا نظاماً مستبداً. وطالما أن حلقة الحوار الضيقة، من الحركتين، التي توصلت الى التفاهمات بعد التفاهمات، لم تصل الى تسويات تفصيلية تتعلق بالمسائل التي تنبثق عنها عوامل العرقلة؛ فلا بد على الأقل، من تشكيل هيئة إشراف عليا، ذات صلاحيات، من حركتي "فتح" وحماس" تعمل كخلية أزمة، وتتصدى لعناصر العرقلة وتعالج وقائعها، لكي تمضي الأمور بالشكل المرتجى، ويكون الشروع الفوري والجاد، في استعادة وحدة الكيانية الفلسطينية وتشكيل حكومة انتقالية من مستقلين، والذهاب الى انتخابات تشريعية ورئاسية. قلنا مراراً، أن بالإمكان أن تتواصل السلطة مع قيادة حركة "حماس" في الضفة، لتسوية الأمور الملتبسة ومعالجة المقتضى الأمني بالتفاهم. فلن ينتج العمل الأمني مناخاً مواتياً، وطالما أننا اخترنا طريق المصالحة وثابرنا عليه، فالأجدر أن تكون المعالجات سياسية واجتماعية في الضفة. ثم إن وضعية الجموح الأمني لا تشبهنا ولا تلائمنا، لأننا أولاً وأخيراً حركة تحرر، ولسنا مختزلين في قوة أمنية وشرطية تدربت مهنياً على أيدي أجانب، وباتت صماء لا تتمثل روح حركة التحرر. فالأمن له فلسفة لا يحيد عنها، تتلخص في السهر على حماية المجتمع الفلسطيني من الجريمة، واحترام المواطن ورأيه، وصون حريته السياسية، في إطار القانون، وهذا هو عينه ما ظللنا ننتقد "حماس" على تجاهله! يُقال إن تظاهرة رام الله ضد زيارة موفاز، تخللتها هتافات تخوينية وجزافية، ما يعني أنها استُغلت من آخرين. وحتى لو أن هذه هي الحقيقة، فإن العناصر التي استغلت الموقف، فعلت ذلك مستغلة الفراغ الفتحاوي، على قاعدة أن المشاركة في رفض موفاز، تنطلق من رؤية طبيعية للوضع العام، وتمثل عنصر دعم سياسي للقيادة الفلسطينية، مثلما تمثل عنصر ضمان لأن تتبنى التظاهرة شعارات موضوعية وتبتعد عن المهاترات! ندعو الى كف اليد الأمنية في الضفة وغزة، عن طريق المصالحة، ووضع اللغة السياسية في موضع المعالجة الوطنية المسؤولة للإشكالات، من خلال هيئة إشراف عليا من "فتح" و"حماس". ونذكّر بأننا سلطة وطنية شرعية، لا ينبغي لها أن تحاكي أي طرف آخر في تجاوزاته وعرقلاته! www.adlisadek.net