افتضاح السر

آري شافيت
الرئيس باراك اوباما يجري المقابلات الصحافية على نحو ابداعي. فهو يعرف كيف يخفي نقاط ضعف حججه وراء أقنعة باردة من اللسان الطليق والكلام الفهيم الذي يبدو متوازنا. ولكن صديقي الطيب وزميلي الكبير توم فريدمان هو ايضا صحافي لامع. وبدلا من الصدام والسعي وراء الصغائر يعرف كيف يستخرج ممن يقابلهم اقوالا بعيدة الاثر.
هكذا ولد السبق الإعلامي التاريخي، الذي لشدة العجب لم تنقض الصحافة الامريكية عليه كلقية ثمينة. «إيران لن تكتسب سلاحا نوويا في اثناء ولايتي»، قال الرئيس الامريكي للصحافي الاهم في الولايات المتحدة في مقابلة مصورة مع «نيويورك تايمز». وأنا أكرر: «إيران لن تكتسب سلاحا نوويا في اثناء ولايتي»، قال اوباما لفريدمان.
منذ تبلورت صفقة «لوزان» ونشرت قبل اسبوع، اثارت قدرا لا يحصى من الاسئلة الصعبة. فلماذا لا يوجد أي وجه شبه بين الصيغة الفارسية للصفقة وبين الصيغة الانجليزية؟ لماذا يدعي الإيرانيون بالقطع بان العقوبات عليهم سترفع على الفور وسيتمكنون من مواصلة تخصيب اليورانيوم على نطاق صناعي وتطوير أجهزة طرد مركزي متطورة دون قيد؟ لماذا حتى وفقا للصيغة الامريكية، سيتمكن الإيرانيون من مواصلة الابقاء على المنشأة النووية التحت ارضية في فوردو والمفاعل النووي في اراك؟ لماذا، حتى وفقا للصيغة الامريكية، ليس واضحا اذا كانت المادة المشعة (عشرة اطنان) ستخرج من نطاق إيران واذا كان سيكون للمراقبين الدوليين قدرة وصول حرة إلى كل موقع في إيران؟
وما الذي يفترض أن يحصل بعد عشر سنوات؟ افلا نريد أن نعيش بعد 2015؟ أفلا تشق صفقة لوزان الطريق إلى مستقبل كابوسي وغير بعيد، تكون فيه إيران نووية والشرق الاوسط سيكون نوويا، وسينهار النظام العالمي؟
الـ 15 كلمة التي قالها اوباما لفريدمان تجعل علامات الاستفهام علامات تعجب. وها هي بالاصل الانجليزي: «I have been very clear that Iran will not get a nueclear power on my watch». والمعنى: بصوته، فيما كان وجهه نحو الكاميرة، يقول الرجل الذي يقود مغامرة تاريخية تقشعر لها الابدان بان التزامه هو الا تتحول إيران نوويا قبل عشرين كانون الثاني 2017.
ليس القرن الواحد والعشرون هو ما يحاول الرئيس انقاذه. ليس الـ 21 سنة التالية هي التي يعد الرئيس بان تستقر. كل ما يتعهد به الرئيس اوباما هو أن في الـ 21 شهرا التالية لن تنتج إيران ولن تركب قنبلتها النووية الاولى.
ما الذي يفترض بالإسرائيليين أن يفعلوه بمثل هذا التعهد الرئاسي قصير المدى؟ وماذا يفترض بالسعوديين والمصريين والاتراك والاردنيين وامارات الخليج ان يفكروا؟ والاوروبيون؟ والامريكيون؟
ليس ضوءا واحدا اشعلته مقابلة اوباما ـ فريدمان. بل الف ضوء أحمر. وعندما تضاف إلى الصورة افتضاح السر عن كل علامات الاستفهام الصعبة في صيغة لوزان يتعاظم الاحساس بان شيئا خطيرا جدا يجري امام ناظرينا. يثور الخوف في أن اتفاق اوباما خامينئي لا يستهدف منع التحول النووي الإيراني، بل تأجيله لبضع سنوات فقط. الايام الثمانية القادمة هي ايام حاسمة. فالتاريخ ينظر الينا جميعنا الان. اين وقفنا، ماذا قلنا وماذا فعلنا عندما اتخذ القرار الاهم في عصرنا. لن تكون مغفرة على الاخطاء. لن يكون سماح على الوهن او الاهمال او التفاهة. فالسياسة العادية لليسار اليمين لم تعد ذات صلة. ولا النمط المعروف للعطف نحو اوباما أو الكراهية نحو بنيامين نتنياهو أو العكس. زمن الازمة هو ليعقوب. زمن الازمة هو لكل إسرائيلي، عربي، اوروبي وامريكي يحب الاستقرار وسواء العقل. ما يوجد الان على الكفة هو العالم الذي يفترض بابنائنا ان يعيشوا فيه.
هآرتس