يتمزقون بين الأسد وتنظيم «الدولة»

جاكي خوري

رفع مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، جنوبي دمشق، في الاسبوع الاخير مرة اخرى إلى العناوين الرئيسة في أعقاب سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية داعش على معظم احيائه. وابرزت معارك السيطرة في المخيم صراعات القوى الداخلية بين الميليشيات، التي تدعي الانتماء إلى قوى المعارضة في سوريا. وتشارك في الصراعات المنظمات الفلسطينية النشطة في مخيمات اللاجئين في سوريا وفي لبنان.
ومن هذا الوضع المعقد تبرز صورة واضحة واحدة: اللاجئون الفلسطينيون هم الذين يدفعون الثمن الباهظ كنتيجة للحرب الاهلية في سوريا. واكثر من الجميع يعاني المدنيون، الذين يضطر معظمهم إلى اخلاء مخيم للاجئين إثر مخيم آخر للاجئين. ويرى الكثيرون في المخيم في تطورات السنوات الاخيرة نكبة ثانية، تبعدهم عن حلم العودة إلى إسرائيل بسبب الوضع السياسي المعقد في الشرق الاوسط وفي سوريا بشكل خاص.
اليرموك، الذي حتى اندلاع الحرب الاهلية في 2011 كان مخيم اللاجئين الفلسطيني الاكبر في سوريا، مع 180 الف من سكانه، واقيم في العام 1957ـ وذلك خلافا لمخيمات اللاجئين التي اقيمت في الضفة الغربية وفي قطاع غزة أو في لبنان والاردن في أعقاب النكبة في 1948 والنكسة في 1967. في 1957 قررت الحكومة في سوريا تجميع اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا موزعين في منطقة الجولان وحول دمشق وتوفير سكن لهم في نطاق بحجم 2.11 كم مربع. وقد اقيم المخيم على مسافة 8كم من الاحياء الجنوبية لدمشق. وخلافا لمخيمات اللاجئين في لبنان، بنيت في اليرموك مبان متعددة الطوابق بتخطيط مديني، وذلك اضافة إلى مؤسسات التعليم والصحة والعديد من المتاجر. ولكن مثل مخيمات اللاجئين الاخرى، عانى سكان اليرموك من اكتظاظ كبير ووضع اقصادي صعب.
ومع ذلك، حتى بداية الحرب الاهلية طرأ تحسن ما في ظروف اليرموك الذي يعتبر مكان السكن الافضل نسبيا مقارنة بمخيمات اللاجئين في لبنان وفي الاردن. والشباب الفلسطينيون الذين سكنوا في المكان، سمح لهم بالتعلم في الجامعات في سوريا وعمل الكثير من سكان المخيم في مجالات الطب والهندسة. وفي الايام العادية ربطت المواصلات العامة بين المخيم ودمشق، وفي المكان عملت أسواق شعبية نشطة، حيث كان العمال والسكان من الطبقات الفقيرة يشترون الغذاء. وعملت في المخيم جمعيات توفر المساعدات للاجئين، واقيمت أربع مستشفيات وعدد من المدارس. وبين اعوام 1996 و 1998 ساعدت وكالة الغوث والولايات المتحدة، استراليا، كندا ودول اخرى في ترميم وبناء المدارس والمراكز الصحية للسكان.
وخلافا لمخيمات اللاجئين في لبنان لم يعمل في اليرموك مسلحون فلسطينيون. واصبح المخيم جزءا من المشهد العام للاحياء التي تحيط بدمشق، ومنذ قيامه وحتى كانون الاول 2012 لم تقع في اليرموك احداث شاذة. من منتصف التسعينيات وحتى قبل عقد زار الكثير من عرب إسرائيل اقرباءهم الذين يسكنون في المخيم وذلك بفضل ترتيب مع دمشق.
أول زيارة للإسرائيليين في المخيم تمت في 1994، عندما سافر وفد من عرب إسرائيل، مع اعضاء في الكنيست ورؤساء سلطات محلية إلى دمشق لتعزية الرئيس حافظ الاسد في اعقاب وفاة ابنه باسل.
ووقع التدهور العظيم في الظروف في اليرموك في نهاية 2012 مع تصعيد في الحرب الاهلية وانتشار العنف إلى داخل المخيم. بداية تحول اليرموك إلى ملجأ للعديد من السوريين من ضواحي دمشق المجاورة للمخيم. ومع سيطرة فصائل سورية مختلفة على القرى في المنطقة، فر الالاف إلى اليرموك لاعتقادهم ان مخيم اللاجئين الفلسطيني سيبقى خارج الصراع العنيف. ولكن في كانون الاول 2012 تغيرت الصورة تماما حين دخلت ميليشيات تنتمي إلى المعارضة السورية إلى اليرموك عبر الاحياء الجنوبية لدمشق وهاجمت جيش الرئيس السوري بشار الاسد. في البداية امتنعت القوى الفلسطينية في المخيم من التدخل في ما يجري. ولكن بعد بضعة اشهر من ذلك فر نشطاء من منظمة الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة وانضموا إلى صفوف الثوار السوريين. وقاتلت القوات الموالية لزعيم المنظمة، أحمد جبريل، إلى جانب الجيش السوري.
وأدى تبادل اطلاق النار الشديد داخل المخيم اضافة إلى نار المدفعية والقصف الجوي من الجيش السوري إلى هرب عشرات الاف اللاجئين إلى مخيمات اللاجئين في لبنان وفي الاردن. ووصل قسم من اللاجئين إلى تركيا. بعد وقت قصير من ذلك نشرت في العالم صور الضحايا من سكان المخم والدمار الشديد واضطر عشرات الالاف إلى البقاء في منازلهم في ظروف صعبة. ومع القصف بدأت تتفجر في المخيم السيارات المفخخة التي جبت حياة عشرات الاشخاص الاخرين.
منذ تموز 2014 كان المخيم تحت حصار شديد من قوات النظام السوري فيما يحشر فيه نحو 20 الف لاجيء. ومع تفاقم الاوضاع الانسانية في المخيم بسبب الحصار بدأت تنشر صور وشهادات عن جوع شديد ادى بالسكان إلى أن يأكلوا الحيوانات والاعشاب. وحسب معطيات المنظمة السورية لحقوق الانسان فقد توفي منذ فرض الحصار وحتى شهر شباط الماضي 154 لاجئا جراء الجوع. وعدة مرات، في اعقاب الاتصالات بين القيادة الفلسطينية والحكومة السورية، ادخلت رزم الغذاء والمساعدات الانسانية إلى المخيم. ولكن حسب شهادات من الاسابيع الاخيرة، فان المخيم يعيش منذ نحو ثلاثة اشهر تحت الحصار المشدد.
في اعقاب سيطرة الدولة الإسلامية على معظم الاحياء في المخيم في الاسبوع الماضي يجري في الساحة الفلسطينية تبادل للاتهامات عن مسؤولية قادة الفصائل المحلية الذين سمحوا بتدهور الوضع واجتذاب الدولة الإسلامية إلى المخيم.
معظم الاصابع توجه إلى احمد جبريل، بالادعاء بان جبريل تابع لنظام الاسد ويقاتل إلى جانب الجيش ضد الميليشيات المسلحة. كما يوجه بعض الانتقاد إلى حماس، التي حسب الادعاءات اقامت فصائل قتالية تحت اسم أكناف بيت المقدس ممن يقاتلون إلى جانب ميليشيات المعارضة، احرار الشام وجبهة النصرة. وحسب معهد البحث «الزيتونة» في بيروت، ففي السنتين الاخيرتين توزعت السيطرة في المخيم بين اكناف بيت المقدس ومنظمة جبهة النصرة.
قبل نحو سنة ونصف جرت محاولات لرفع الحصار ولكن هذه اصطدمت بمعارضة النظام، الذي يخشى من تسلل معارضيه إلى المجال الداخلي لدمشق عبر المخيم. ومع ذلك، سمح بادخال المساعدات الانسانية إلى المخيم، الامر الذي ادى إلى هدوء نسبي بشكل مؤقت، في اطاره تمترست كل الاطراف في المناطق التي سيطرت عليها. في الاشهر الخمسة الاخيرة وقعت صراعات قوى في المخيم، ادت إلى سلسلة من الاغتيالات لنشطاء المنظمات المختلفة، معظمهم فلسطينيون من اعضاء حماس او فتح. وقبل اسبوعين قتل عضو قيادة حماس يحيى حوراني، الذي عمل كثيرا على تقديم المساعدات الطبية للاجئين. واتهمت اكناف بيت المقدس الجهادييت من الدولة الإسلامية ممن رابطوا في حي مجاور للمخيم بتصفية حوراني واعتقلت عددا كبيرا من نشطاء المنظمة المتطرفة. وردا على ذلك اجتاح الجهاديون المخيم في غضون 24 ساعة.
وهزم تنظيم الدولة الإسلامية الذي يتمتع بتفوق عددي ولوجستي مقاتلي اكناف بيت المقدس والقوات الفلسطينية. وغضت منظمة جبهة النصرة التي تتقاسم السيطرة في المخيم مع الفلسطينيين، العين عن دخول الجهاديين ومنعت كل مساعدة لوجستية للمنظمات الاخرى في المخيم. ويرى الفلسطينيون في سلوك جبهة النصرة مؤامرة مشتركة مع الجهاديين للسيطرة على المخيم. وعلم هذا الاسبوع عن انضمام عدد من الموالين لجبريل الموالي لنظام الاسد، إلى قوات الجبهة الشعبية التي تقاتل إلى جانب اكناف بيت المقدس. واليوم تسيطر قوات الدولة الإسلامية في جنوب المخيم، بينما قوات النظام السوري تسيطر معظم الجانب الشمالي. ويخشى السكان من تشديد الحصار والعودة إلى سيناريو الجوع والرعب في ايلول الماضي، وذلك اضافة إلى المذبحة التي قد ينفذها الجهاديون بحق اللاجئين.
من هذه النقطة قد تنشأ ثلاثة سيناريوهات لجميعها آثار صعبة على سكان المخيم بل وربما على النظام في دمشق. وحسب السيناريو الاول ستقاتل القوات الفلسطينية إلى أن تستنفد كل مخزونات السلاح تحت تصرفهم. وبعد ذلك سيفرون إلى اجزاء اخرى من المخيم، او سيسلمون أنفسهم للنظام او للجهاديين. امكانية اخرى هي ان يعزز تنظيم الدولة الإسلامية قواته في المكان، يحتل باقي اجزاء المخيم ويواجه النظام السوري في اطراف دمشق وجها لوجه. اما حسب السيناريو الثالث، فيسمح الجيش السوري للقوات الفلسطينية بتلقي مساعدات لوجستية في الصراع ضد الجهاديين، وذلك من اجل العودة إلى الوضع الراهن الذي كان قائما في السنتين الاخيرتين. ولكن الفلسطينيين من سكان المخيم يعرفون جيدا بان ليس في هذه الامكانيات الثلاثة حل حقيقي للازمة واليرموك سينزف لزمن طويل آخر. فهم يرون في هذه التطورات جولة اخرى اكثر وحشية للنكبة التي دفعت عشرات الالاف إلى الخروج من منازلهم باتجاه سوريا.

هآرتس

حرره: 
م . ع
كلمات دلالية: